رئيس التحرير
عصام كامل

25 يناير 2016.. إعدام ميت


أفهم أن الثورة حراك اجتماعى يتعامل مع مواقف وسياسات ويرد على كل مرفوض استهدف حقوق وحريات، هكذا كانت 25 يناير 2011، التي مهدت لها احتجاجات مطلبية واسعة امتدت منذ أتت الخصخصة على استقرار طبقات اجتماعية، أهينت بعد انهيارها اقتصاديًا داخل أقسام وسجون ومعتقلات، ولا يمكن لهذا الحراك أن يتكرر في نفس موعده التاريخي بالضرورة، وربما تحول كحدث بفعل ممارسات أصحابه أنفسهم، قبل النظام ووسائله وأدواته، إلى ذكرى تاريخية، إلا أنه كواقع حاز على اعتراف دستورى به كثورة باستفتاء الملايين عليه، وانتهى الأمر.


نعم انتهى الأمر إجرائيًا، وبات الحدث فعليًا في حكم "الميت" الذي تكتل أصحابه ومعارضوه والمتآمرون عليه لإعدامه، فلا هو خلف وراءه تيارا قويا داعمًا لشعارات يناير أو مصححًا لمسيرتها بحق وصدق رغم 30 يونيو 2013، ولا أنجب زعامة وطنية حقيقية تؤمن بما رفعه الثوار الحقيقيون من مطالب مشروعة لا تزال تمثل أزمة كبرى أمام نظام الحكم الحالي نفسه، ولا أراد معارضوه رحمة وترحمًا عليه وسعوا لتشويهه واعتباره مشهدًا فوضويا أبطاله غير وطنيين، متجاهلين تنامى أعداد المقهورين اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وتزايد الجوعى الذين يشكلون خطرا على من لا يملك تأمين نفسه، أما المتآمرون عليه والذين انتهى حكمهم بعد عام واحد فتلصصوا في الداخل والخارج بدعواتهم للإتجار بما تبقى من شهداء لم تسمح ضمائر أرباب جماعتهم بالاعتذار لأرواحهم.

عاشت الثورة ومات الحدث وأى مبرر لإحيائه في تاريخه مجرد عبث، هكذا تنطق الحقيقة وتؤيدها رغبات إعلام غبي يطمح أقطابه في لقب لدى نظام حكم يعلن أنه لا يوجد من يملك فواتير عليه سدادها، أن تصنع قنواتهم وأقلامهم من يناير 2016 شبحًا أو عدوا وهميًا يجددون بقتله ولائهم الزائف للحكم بعد انتهاء المناسبة، بينما يطالبون نفس العدو بالبقاء قائلين له "كمل جميلك" فلا حياة لنا دونك، أنت مفتاح نظرية الخطر التي نقنع نظام الحكم بالعيش عليها، وأنت مبرر وجودنا قبل أن نسقط.

نفس مافيا إعلام "جثمان يناير" تأكل على جسد ميت في الخارج وتنهش في عقيقة إخوانية تمتد مائدتها من الدوحة إلى أنقرة وحتى لندن، الباحثون عن لقمة العيش بين جماعة لم تسمح لمواطن ووطن بالعيش، تتوعدنا جميعا بالقتل والصلب حال عودتها للسلطة، ولا يستحى أربابها من تشبيه معزولها في أحلامهم بالعودة للحكم، برسول الإنسانية في مشهد فتح مكة، مع الفارق بين تسامح المسلمين ونبيهم مع أهلها "الطلقاء" بكلمة منه، وانتقام الإخوان المتكرر ضد أهل مصر كل ساعة منذ إسقاطهم.

انتهى مشهد يناير الحقيقى الذي شهد اتفاقا شعبيا جماعيًا على الحراك، وتآمرًا نخبويًا على التجربة حتى لعنها قطاع آمن بإمكانية تكرارها، وتخاذلًا سلطويًا في الاستجابة لمطالب ثورة لا يكفى أصحابها تكريمها دستوريا، هذا التخاذل عزز انشقاقات الناس بين مؤيد لدعوات الاحتجاج في مواجهة رجال الأمن، وبينهم الآن مخالفون للقانون وشهداء في سبيل حماية أمن الوطن والمواطن، ومؤيد لدعوات إحياء عيد الشرطة لقتل فرص إحياء ذكرى الثورة، أو بالأصح استحضار محاولات صدام لا محل لمناسبته من الإعراب التاريخي أو السياسي، أو تكاد تتلاشى أسبابه حال الإصرار على مواجهتها صراحة في تلك الظروف.

الآن يحضر مشهد يناير 2016.. مات الحدث وعاشت الثورة متعاظمة أسبابها ذات الطابع المطلبي في الأساس ولكن دون حراك، أو قل هي معدمة بحكم طبيعة الأحداث المختلفة عن سياق تاريخها قبل خمس سنوات، وبفعل تكاثر الأفاقين واللصوص عليها، أو تزايد الصراع الطبقي بأوجه جديدة له أبرزها حالة الحرب بالوكالة التي يشنها الانتهازيون الجدد ضد استحقاقات بسطاء ينكرها نافذون ومتمكنون الآن، ربما قمة التناقض بين أسباب الحدث وأوضاع الحالة تبدو في الإطاحة بمبارك في 2011 والإبقاء على فساد منظومته، ثم تجريمه كسارق لأموال الشعب في 2015 مع الاعتراض على التصريح ببقاء هذا الفساد مهما بلغت قيمة فاتورته.

قمة السخف أن نتعامل مع ثورة على أنها ذكرى نحييها بأدوات لا نملكها أو نقدر على الإبداع بها، وأن نتبارى في التصريح بالنزول في ذكرى الحدث، أو الاستفتاء على البقاء ببيوتنا لأسباب يؤيدها إعلام الداخل والمحتالين الهاربين بالخارج، وقمة الجهل أن ننكر خطيئتنا متى آمننا بتسليم ثورة يناير للإخوان حتى قبل الإطاحة بمبارك، ويوم سلم بعضنا عقله لانتهازيين من عينة المحرضين ضد كل من يذكر يناير بالخير أو يقرأ الفاتحة على شهدائها، هؤلاء مجرد عينة ممن يقودون أي نظام حكم نحو إجهاض أي حراك داعم للإصلاح والتغيير، هم أخطر عليه من عدو بيِنْ يحمل السلاح بوجهه.

اذكروا يناير "الثورة" بالخير فأسبابها حية بين كثيرين منا، وأعدموا يناير "الحدث" ولا تستدعوه كتاريخ بالضرورة في عقلكم الجمعي الذي لا يبحث في الأسباب ولا يتأمل النتائج، ربما يخذل "يناير" توقعاتكم ويأتى بأسباب جديدة في موعد آخر من أي عام.. ولا تبخلوا على شهيد الماضى والأمس والغد بدعواتكم الصادقة.
الجريدة الرسمية