رئيس التحرير
عصام كامل

ألاعيب صبي الميكانيكي.. «المالية» تراوغ «النواب» لتمرير قانون ضريبة القيمة المضافة.. الرئيس يحبط مخطط «دميان» بتعيين «العربي».. وأزمة الدين العام تهدد الاقتصاد


الأرقام لا تكذب ولا تتجمل.. لكن في مصر بلد المعجزات إذا أردت أن تتحايل فعليك باستخدام الأرقام، ثم اللجوء للمؤشرات لتفريغ تلك الأرقام من دلالتها، وهو ما ينطبق على خطة وزارة المالية لتمرير مشروع الموازنة العامة الجديدة للسنة المالية 2016 / 2017، التي تعد بمثابة «قنبلة موقوتة» وأول اختبار حقيقي لقوة المجلس أمام الحكومة.


مصادر بوزارة المالية قالت إن هاني قدرى دميان، وزير المالية، لجأ لحيلة جديدة للتحايل على فشل الحكومة في تقليص عجز الموازنة لأقل من 10% من الناتج المحلى الإجمالي، وفقًا لتعليمات الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأول من يوليو عام 2014، وابتكر دميان حيلة جديدة لخداع مجلس النواب لتمرير الموازنة للسنة المالية الجديدة 2016 / 2017، الذي أعلن من خلالها تحقيق زيادة معدل النمو الاقتصادي إلى ما يتراوح بين 5% و5.5% مع تخفيض معدلات البطالة إلى 10% مقابل 12.7% في يونيو الماضي، مع خفض عجز الموازنة العامة إلى ما يتراوح بين 9% و9.5% من الناتج المحلي الإجمالي والدين العام إلى ما يتراوح بين 88% و90% من الناتج المحلي، وذلك وفقًا لمنشور إعداد الموازنة العامة للدولة، الذي أصدره هاني قدرى وزير المالية في الثلاثين من نوفمبر الماضي.

ولكونه تلميذًا ليوسف بطرس غالي، آخر وزير مالية للرئيس الأسبق حسني مبارك، الهارب حاليًا في لندن، الذي كان يصف نفسه دائما بأنه ميكانيكي بتاع اقتصاد، وضع هانى قدرى «المالية» 3 محاور أساسية للسياسة المالية للدولة خلال السنة المالية 2016 / 2017 تضمنت تحقيق معدل نمو اقتصادي مرتفع ومستدام مع ضمان توزيع ثمار النمو بشكل عادل وفعال، وتحقيق الاستقرار المالى والاقتصادي، أما المحور الثالث فيتمثل في العمل على زيادة موارد النقد الأجنبي، دون تحديد للآليات التي سيتم استخدامها لتحقيق تلك الأهداف.

ووفقا لمصادر "فيتو"، فإن المفاجأة الأبرز لهاني قدرى تكمن في وضع ما يمكن وصفه بـ«السم في العسل» لمجلس النواب فيما يتعلق بخطة وزارة المالية لتخفيض عجز الموازنة الجديدة، التي حددها في 8 إجراءات لزيادة إيرادات الدولة الضريبية وغير الضريبية، جاء في مقدمتها التأكد من سلامة تطبيق ضريبة القيمة المضافة، التي أثارت جدلًا كبيرًا عند طرحها على الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورفض إقرارها في غياب مجلس النواب، ليضع بذلك «العقدة في المنشار» لمجلس النواب؛ لإقرار مشروع ضريبة القيمة المضافة قبل بداية السنة المالية الجديدة مطلع شهر يوليو المقبل.

الرئيس السيسي أدرك مبكرًا خطة «دميان» لضرب عصفورين بحجر واحد، هما تمرير مشروع قانون ضريبة القيمة المضافة، وإلهاء أعضاء مجلس النواب عن مناقشة بنود الموازنة، وتمريرها بأقل قدر من الخسائر، وقام «السيسي» بتعيين «مايسترو الضرائب» أشرف العربي، مستشار صندوق النقد الدولي للإصلاحات الضريبية، رئيس مصلحة الضرائب سابقًا، عضوًا بمجلس النواب ضمن قائمة الـ28 عضوًا الذين عينهم الرئيس بالمجلس، خاصة أن صندوق النقد الدولي سبق وطالب مصر بالإسراع في تطبيق قانون ضريبة القيمة المضافة، فيما انتقد البنك الدولي إرجاء تطبيق ضريبة القيمة المضافة في مصر.

ولأن وزارة المالية تدرك جيدًا تداعيات تطبيق ضريبة القيمة المضافة على أسعار السلع والخدمات، فقد وضعت ما يسمى بخطة تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي ضمن أهدافها، وتطبيق منظومة جديدة تراعي الحماية الاجتماعية للفئات الأولى بالرعاية، وعدم فرض أعباء إضافية على الاحتياجات الأساسية للمواطنين مثل الغذاء، والتعليم، والصحة، والمواصلات، والخدمات الثقافية، وهو ما يتعارض مع ضريبة القيمة المضافة، التي ستعمل على رفع أسعار السلع والخدمات بشكل كبير، وهو ما دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي لإرجاء إقرارها لحين مناقشتها بمجلس النواب.

فاقد الشيء لا يعطيه.. عبارة تنطبق على وزارة المالية بعدما وضعت الوزارة ضمن أهدافها تطبيق موازنة البرامج في 7 وزارات هي الصحة والسكان والتربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي والإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية والتضامن الاجتماعى والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والنقل؛ حيث سيتم نشر مشروع موازنة تلك الوزارات بما سيعزز من آليات الرقابة المجتمعية والبرلمانية على الموازنة العامة، ويكمن السبب الأساسي في تجاهل وزير المالية نشر موازنة وزارته أن صاحب الرقم القياسي لعدد مستشارى الوزير في الجهاز الإداري للدولة، من بينهم مستشار لوزير المالية لشئون التواصل الاجتماعي.

مخالفة أخرى لوزير المالية ضمن منشور الموازنة تتعلق بضوابط الباب الثاني الخاص بشراء السلع والخدمات للجهاز الإداري للدولة، التي تشمل ترشيد الإنفاق العام دون الإخلال بمستوى الأداء ومتطلبات الأعمال مع الابتعاد عن جميع جوانب الإنفاق المظهري أو الإنفاق على أي أغراض لا ترتبط بأعمال الجهات أو تخفيض أهدافها، وترشيد نفقات الأعياد والمواسم؛ حيث تغدق وزارة المالية بالمكافآت على رجال هاني قدرى، وكذلك عدد من قيادات الوزارة.

وبالرغم من إعلان وزير المالية وضع خطة لخفض مستويات الدين العام الحكومى في حدود ٨٨%، إلا أن وزارة المالية بالتعاون مع وزارة التعاون الدولى تخالف ذلك عبر الاقتراض من مؤسسات التمويل الدولية من ناحية، ومد آجال إصدارات أذون وسندات الخزانة إلى آجال أطول، واتجاه لطرح سندات بالسوق الدولية.

من ناحية أخرى، خرق هاني قدرى الضوابط التي يتعين على الجهات العامة مراعاتها عند وضع تقديراتها للإيرادات العامة المنتظر تحقيقها العام المالى المقبل، حيث وضع تقديرات مُبالغ فيها لكل من مصلحة الضرائب ومصلحة الجمارك؛ حيث تنص القواعد على تقدير قيمة الإيرادات المتوقعة في ضوء المحصل فعليا خلال آخر 3 سنوات مالية؛ حيث كشفت بيانات موازنة العام المالي 2015 / 2016 الجاري، عن استهداف وزارة المالية زيادة الإيرادات الضريبية لـ422 مليار جنيه، رغم إعلان مصلحة الضرائب المصرية عن استهدافها تحقيق 326 مليار جنيه خلال العام المالى 2014 / 2015 الماضي، ليتم تخفيضها إلى 320 مليار جنيه لم يتم تحصيل منها سوى نحو 65% حتى نهاية شهر ديسمبر الماضي، وبالرغم من ذلك رفعت وزارة المالية من الإيرادات والضرائب والجمارك المستهدفة خلال العام المالي 2016 / 2017 بنحو 30%، ليضع علامة استفهام كبيرة حول قدرة تحصيل تلك الإيرادات.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية