رئيس التحرير
عصام كامل

«فتنة مصحف عثمان».. تدوين القرآن بدأ في عهد الرسول الكريم.. النسخ الأول للمصحف كان في عهد أبي بكر.. الصحابة حفظوا القرآن «مرتبًا»

فيتو

يحارب أعداء الإسلام القرآن، معتمدين على أصحاب النفوس الضعيفة، والذين لا يرهقون أنفسهم في البحث عن الحقيقة، ويصدقون ما يقال لهم دون إعمال للعقل.

هؤلاء الأعداء يتحدثون عن عدم صحة القرآن، الذي بين أيدينا الآن، متهمين الصحابة الذين تولوا مهمة جمعه وحفظه، بإضافة وحذف آيات وفقًا لأهوائهم.

ومما أثاره أعداء الإسلام حول هذه القضية، أن حفظة القرآن في العهد النبوى كانوا قليلين وأكثر حفظة القرآن ماتوا قبل جمع القرآن وتدوينه وأن وسائل وأدوات حفظ القرآن قبل جمعه كانت بدائية وغير مأمونة ولا تكاد تحفظ شيئا، فضاع من القرآن الكثير، مشيرين إلى وجود الكثير من الروايات على حد زعمهم تؤكد ضياع سور وآيات من القرآن إلى غير ذلك من الشبهات التي تطعن في تواتر القرآن وصحة نقله، وهو ما جعل العلماء يردون عليهم ويدحضون ادعاءاتهم في كتب كاملة. كما ادعوا أنه كانت هناك مصاحف أخرى غير مصحف عثمان رضي الله عنه.

وتعلقت أولى هذه الادعاءات، بزعمهم أن طريقة إثبات المسلمين لعدم تحريف القرآن الكريم لا يمكن أن تكون من عند القرآن نفسه.

وعلى هذا الادعاء رد السمرقندى في كتابه، بحر العلوم، قائلًا: "إن القرآن لا تناقض فيه ولا يعارض بعضه بعضا فهو من عند الله وليس من كلام بشر"، مضيفًا:" ولو اعتراه الزيادة أو التبديل لجاز أن يعارض بعضه بعضا، ولوجد في القرآن ما يخالف أسلوبه البديع ونظمه الفريد ؛ لأن كلام الله لا يشبه كلام البشر".

وتابع:" والذي قال " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" هو الذي قال:"أمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ"؛ فكلام الله لا يشبه كلام المخلوقين ولا يمكن لبشر أن يأتى بكلام مشابه لكلام الله، والقول بجواز الزيادة على القرآن أو تبديله تستدعى أن يكون باستطاعة البشر الإتيان بكلام يماثل القرآن، وهذا لم يحدث قط ولو حدث لنقل إلينا لتوافر الدواعى على نقله".

ورد على هذا الادعاء أيضًا الألوسي، في كتابه " تفسير الألوسي"، قائلًا: إن نقل القرآن شىء عظيم وهو ما يستوجب على ناقليه أن تشتد عليهم الدواعى التي توفرت على نقله وحراسته، مشيرًا إلى أن علماء المسلمين بلغوا في حفظ القرآن الكريم وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته، متسائلًا:" فكيف يجوز أن يكون مغيرا أو منقوصا مع العناية الصادقة والضبط الشديد".؟

وفيما يتعلق بالادعاء الثاني، والذي تحدث حول أن أدوات حفظ القرآن قبل جمعه مثل الحجارة وسعف النخل والعظام أدوات بدائية وغير مأمونة لا تصلح للكتابة عليها ولا تكاد تحفظ شيئا فضاع من القرآن الكثير.

هنا كان رد الزرقانى في كتابه "مناهل العرفان"، قائلًا:" هذا الكلام يدل على جهلهم الفادح بعلوم القرآن، وأن القرآن يؤخذ بالسماع والتلقى لا الكتابة".
وأضاف: أن الحجارة وسعف النخل والعظام التي كتب عليها كانت تصطفى من أنواع الحجارة الرقيقة، كى تصلح للكتابة والبقاء".
وأضاف الزرقاني: أن الروايات الواردة فيما يتعلق بالعظام التي يكتب عليها، نصت على نوع خاص منه وهو عظام الأكتاف وذلك لأنها عريضة رقيقة ومصقولة صالحة للكتابة عليها بسهولة.

وحول الادعاء القائل بأن ما كان مكتوبا من القرآن على العظام ونحوها كان غير منظم ولا مضبوط وينقضه أن ترتيب آيات القرآن كان توفيقيًا، كان رد الزرقانى أيضًا في كتابه "مناهل العرفان"، قائلًا: إن الآيات القرآنية كان يقرأها صحابة الرسول "صلى الله عليه وسلم" ويحفظها الجميع ويكتبها من شاء منهم لنفسه على هذا النحو حتى صار ترتيب القرآن وضبط آياته معروفا مستفيضا بين الصحابة حفظا وكتابة.

وفيما يتعلق بالادعاء القائل إن مصحف عثمان الذي بين أيدينا لا يحتوى جميع الآيات التي نطق بها الرسول، أكد محمد ابى شهبة، في كتابه "المدخل لدراسة القرآن الكريم"، أن كتابة القرآن وحفظه في آن واحد في صدور آلاف مؤلفة من الخلق ادعى إلى بقاء ذلك القرآن وأدل على أنه لم تفلت منه كلمة ولا حرف.

وأضاف: أن القرآن لم ينقل بالكتابة فقط، كى يمكن فرض تطرق التحريف إليه، مشيرًا إلى أن المعمول عليه في القرآن هو التلقى عن النبى (صلى الله عليه وسلم)، أو عمن سمع منه، والحفظ في الصدور، وأما الكتابة فإنما كانت لتأكيد المحفوظ في الصدور.

ونتيجة للفهم الخاطئ لقول زيد بن ثابت (رضى الله عنه):" فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الْأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ، قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ(صلى الله عليه وسلمم) يَقْرَأُ بِهَا، فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ: "مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ"؛ فَأَلْحَقْنَاهَا فِى سُورَتِهَا فِى المُصْحَفِ ".

وقال زيد بن ثابت (رضى الله عنه) أيضا، " فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ العُسُبِ وَاللِّخَافِ، وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِى خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ"، وهى "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ".

وجاء دحض هذه الأحاديث على يد عبدالقادر محمد منصور، في كتابه: "موسوعة علوم القرآن"، أن حديث ابى زيد يفيد أن القرآن كتب في عهد النبي.
كما قال الزرقانى في كتاب "مناهل العرفان" في هذا الصدد: "وانتهج زيد في القرآن طريقة دقيقة محكمة وضعها له أبو بكر وعمر فيها ضمان لإحاطة كتاب الله بما يليق به من تثبت بالغ وحذر دقيق وتحريات شاملة فلم يكتف بما حفظ في قلبه ولا بما كتب بيده ولا بما سمع بأذنه".

واتفق معهم الدكتور محمد على الحسن، في كتابه:" المنار في علوم القرآن"، قائلًا: "وهناك الكثير من الصحابة حفظوا القرآن غير زيد كأبى بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، ومعاذ بن جبل، والدلائل على ذلك كثيرة".

واستغل المدعون والجهلاء إمكانية التفسير الخاطئ لقول عمر بن الخطاب لابى بكر (رضى الله عنهما)، " إِنَّ القَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ اليَمَامَةِ بِقُرَّاءِ القُرْآنِ، وَإِنِّى أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بِالقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ، وَإِنِّى أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ القُرْآنِ"، للحديث حول أن الكثير من حفظة القرآن قد مات فمن المستحيل أن يكون القرآن الحالى حاويا لجميع ما انزل".


حفظ القرآن

وعلى هذا الادعاء يرد عبدالله الجديع في كتابه " المقدمات الأساسية في علوم القرآن"، ليؤكد أن أكثر الصّحابة الّذين أمر النّبيّ (صلى الله عليه وسلم) بأخذ القرآن عنهم أو عرفوا بحفظه في عهده، كأبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود وأبى الدّرداء وعبد الله بن عمرو بن العاص؛ كانوا أحياء عند الجمع الأوّل للقرآن، بل أكثرهم بقى إلى زمان الجمع الثّانى في عهد عثمان.

ويوافقه في الرأى فهد الرومى في كتابه "دراسات في علوم القرآن الكريم"، والذي يتحدث عن كيفية جمع القرآن على ثلاثة مراحل، قائلًا إنه المراد بجمع القرآن في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو كتابته وتدوينه، أما المراد بجمع القرآن في عهد أبى بكر الصديق فيعنى "جمعه في مصحف واحد".

والمراد بجمع القرآن في عهد عثمان "نسخه" في مصاحف متعددة، ويظهر بهذا أن الجمع بمعناه الحقيقى كان في عهد أبى بكر الصديق وليس في عهد عثمان كما يتحدث هؤلاء المدعون حتى يومنا هذا ومن أسف أن كثيرًا منهم منتسبون إلى الإسلام.

المصادر:
● «المنار في علوم القرآن»
● «موسوعة علوم القرآن»
● «بحر العلوم»
الجريدة الرسمية