رئيس التحرير
عصام كامل

«لعنة الفراعنة».. الفرعون الذهبى يحصد أرواح العلماء والأثريين.. و«الحمى» أبرز أعراض مرحلة ما قبل الوفاة.. منذ قرون طويلة والحوادث الغامضة والمرتبطة بالآثار الفرعونية لا تتوقف

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

منذ قرون والحوادث الغامضة المرتبطة بالآثار الفرعونية لا تتوقف، ويذكر التاريخ سلسلة طويلة من حالات الوفاة الغريبة لعدد من العلماء الشغوفين بالآثار المصرية، ولعل أبرزها وفاة شامبليون عام 1832، ذلك العالم الفرنسى الذي نجح في فك رموز اللغة الهيروغليفية، فضلًا عن كونه رائدًا من رواد البحث في الحضارة المصرية، فعشقه لمصر وتاريخها لا ينتهي، ولم يشفع له هذا الشغف من التعرض لحوادث غريبة كغيره من العلماء المهتمين بالآثار المصرية، فحينما تمكن من حل رموز اثنين من المخطوطات الخاصة بالملوك رعمسيس وتحتمس، صرخ "لقد نجحت" في سعادة لكنه انهار في حينها تمامًا كما لو أصابته صعقة كهربائية وفقد الوعى لمدة 5 أيام كاملة استفاق بعدها في حالة غريبة، حيث استمر في التحدث عن رؤى غريبة وصار يتلعثم ذاكرًا أسماء عدة فراعنة ممن استطاع حل رموز أسمائهم، وبعد سنوات طويلة من التبحر في عالم الآثار المصرية توفى شامبليون عام 1832 مباشرة بعد رحيله من مصر ولم يستطع أحد تشخيص سبب موته آنذاك.


لم يكن مصير الطبيب الشهير والعالم تيودور بلهارس مختلفًا عن شامبليون، فـ"بلهارس" كان شغوفًا هو الآخر بمصر الفرعونية وكان مهتمًا بتشريح المومياوات وهذا ما مكنه من اكتشاف مرض البلهارسيا من خلال تشريح مومياء من الأسرة العشرين، وفى عام 1862 حرص على أن يكون مرشدًا لدوقة في رحلة إلى وادى الملوك بالأقصر.

رحلة "بلهارس" كانت رحلة مشئومة، حيث أصيب بتشنجات حمى عنيفة ترتب عليها قضاء أسبوعين في سُبات عميق توفى على إثرها في الـ 37 من عمره دون التعرف على السبب الحقيقى لوفاته.

ولم تكن هذه الحوادث هي الوحيدة التي لم يصل العلماء لتفسير منطقى لها، بل استمرت سلسلة الوفيات الغامضة وكانت سببًا رئيسيًا في زيادة نسبة إيمان الكثيرين بوجود لعنة تصيب نابشى قبور الملوك، لكن لم يلتفت أحد إلى مصطلح لعنة الفراعنة بشكل حقيقى حتى عام 1922.

لعنة الملك الذهبي
الميلاد الحقيقى لـ "لعنة الفراعنة" كان عام 1922 مع اكتشاف مقبرة الفرعون الذهبى توت عنخ آمون، على يد الإنجليزى هوارد كارتر، وبتمويل من اللورد كارنرفون، وما صاحب هذا الاكتشاف العظيم من جلبة وإثارة بين محبى الآثار المصرية حول العالم، فالظروف التي أحاطت بفتح المقبرة وحالات الوفاة الغامضة التي شملت عدد من دخلوا أو عملوا في المقبرة أو آثارها جعلت الكثيرين يعتقدون أن "اللعنة" سر غامض يصل إلى حد الأسطورة يضاف إلى أسرار الفراعنة، واعتبر الكثيرون أن "توت عنخ آمون" هو الشخصية الرئيسية في اللعنة التي أزهقت أرواح نحو 36 رجلًا على الأقل من علماء الآثار والباحثين.

ميلاد اللعنة
لم يكن اللورد الإنجليزى كارنرفون يدرى حينما أتى إلى مصر عام 1903 للعلاج، أن أرض الكنانة ستكون مثواه قبل الأخير، فمنذ السنوات الأولى التي قضاها "كارنرفون" في مصر وقع في عشق الآثار المصرية وسحرها، وقرر تمويل حفريات توصلت في النهاية لاكتشاف مقبرة "توت عنخ آمون" بمشاركة الرسام الإنجليزى المهتم بالآثار هوارد كارتر، وذلك بعد سنوات طوال قضاها الثنائى في محاولات متواصلة لاكتشاف تلك المقبرة الملكية التي وجدوا بها أجمل وأثمن كنوز استخرجها علماء الآثار من الأرض عبر التاريخ البشري، والتي كانت سببًا رئيسيًا في انتشار عشق الحضارة المصرية القديمة والشغف بها بمختلف دول العالم.

لكن المصريين الذين كانوا يعملون في المقبرة مع كارتر وكارنرفون أصابتهم حالة من القلق وقل نشاطهم وضعفت همتهم بسبب عثورهم على لوح خزفى مدون عليه "إن الموت سوف يقضى بجناحيه على كل من يحاول أن يزعج هدوء الفرعون أو يعبث بقبره"، وكانت الجملة هي الشرارة الأولى لإثارة أكثر قضية شغلت العالم وفاقت كنوز الفراعنة دراسة وغرابة، ورغم هذا فإن العلماء الحاضرين في المقبرة لم يلقوا لها بالًا وكان كل ما استرعى انتباههم هو تأثير هذا اللوح في همة المصريين الذين يحتاجون لهم لاستكمال اكتشافهم، فقرروا محو هذه العبارة من السجل المكتوب لاكتشاف المقبرة كما اختفى اللوح نفسه، لكنه لم يختف من ذاكرة أولئك الذين اطلعوا عليه، وسرعان ما وجد العاملون تهديدًا جديدًا على ظهر أحد التماثيل الذي دون عليه "إننى أنا الذي أطرد لصوص القبر بلهب الصحراء.. أنا حامى قبر توت عنخ آمون".

وفيات غامضة
لم يهتم أحد بالتحذيرات الموجودة بالمقبرة، ولم يرعب جناح الموت أحدًا من العلماء، واستكملوا اكتشافهم بالوصول إلى مقصورة المدفن الرئيسية، وبعدما حضر اللورد كارنرفون هذا اليوم المشهود، عاد إلى القاهرة ليقيم بأحد الفنادق وبعد فترة وجيزة أصيب بمرض خطير واصفًا آلامه أثناء هذا المرض بأنها "الجحيم"، فقد كان يُعانى من حمى لمدة 12 يومًا متواصلة أودت في النهاية بحياته ولم يكن لها تفسير دقيق لدى الأطباء، وأكد ابن كارنرفون أن ظروف وفاة أبيه كانت محاطة بالغموض، فحينما علم بنبأ وفاة الأب أسرع إلى غرفته، ولكن بمجرد دخوله لرؤية أبيه المتوفى انقطع التيار الكهربائى عن القاهرة بأكملها، وحينما سُئلت شركة الكهرباء عن سر هذا الانقطاع المفاجئ للتيار لم تقدم تفسيرات منطقية، وأضاف الابن أن كلبة والده المفضلة أخذت تنبح فجأة في إنجلترا في ذات اللحظة التي توفى فيه اللورد، ثم وقفت على قائمتيها الخلفيتين وبعدها سقطت وفارقت الحياة.

بعد موت كارنرفون بدأت سلسلة الوفيات المفاجئة لعدد كبير ممن شاركوا في اكتشاف المقبرة، وبدأ مساعدو اللورد يموتون واحدًا تلو الآخر فانتشر بعدها الذعر وازداد الحديث عن لعنة الفراعنة، وكانت وفاة كارنرفون سببًا في قدوم أحد محبى الآثار الفرعونية من أمريكا إلى الأقصر، حيث أراه كارتر الاكتشاف المثير لضريح الفرعون وفى الصباح الثانى أصيب هذا الشخص بحمى وتوفى على إثرها وهذا ما حدث أيضًا لرجل بريطانى حينما جاء لزيارة موقع المقبرة، وكذلك أرتشبولد دوجلاس الاختصاصى بالأشعة السينية والذي كان أول من قطع الخيوط حول جسم مومياء الفرعون الذهبى حتى يتم تصوير الجثة تحت الأشعة السينية، حيث بدأ دوجلاس في المعاناة من نوبات ضعف وبعد وقت قصير توفى عام 1924.

"كارتر" هو الآخر لم يسلم من الموت، فقد اشتكى من الإعياء المتزايد بعد وفاة كارنرفون واستغرق في سبات عميق لم يستطع الأطباء أن يشخصوا مرضه ثم توفى في الفندق ذاته الذي توفى فيه اللورد، وفى 1925 هز العالم خبر وفاة عالمين كانا من المسئولين عن معالجة مومياء الفرعون في ظروف غامضة، وتوفيت زوجة كارنرفون عام 1929 بسبب لدغة حشرة، ومات أمين سر كارتر في العام ذاته أيضًا فجأة في فراشه ولحقه والده الذي ألقى بنفسه من الطابق السابع في بيته بلندن وأثناء مرور الجنازة دهست عربة الموتى ولدًا صغيرًا، وفى العام ذاته توفى 22 شخصًا ممن كان لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بـ"توت عنخ آمون" ومقبرته منهم 13 شخصًا اشتركوا في فتح المقبرة.

التفسير العلمى
قائمة وفيات علماء الآثار ممن ماتوا بشكل غامض تبدو وكأنها لا نهاية لها، ولكن العلماء يرفضون فكرة أن لعنة فرعونية تتسبب في ذلك، ورجحوا عدة أسباب قد تؤدى إلى هذا الموت الغامض، على رأسها التسمم، فالمصريون القدماء كانوا يقومون بدهان جدران المقابر والأدوات الموجودة داخلها بدهانات ممزوجة بسموم قوية مثل سم الأكونايت والزرنيخ والكونيوم، وجميعها سموم لا تفقد فاعليتها حتى إن جفت، وحينما يفتح العلماء هذه المقابر يكفى أن يمس السم جسمهم مسًا حتى يخترق طبقات الجلد ويسبب التسمم، فضلًا عن استخدام الفراعنة للأبخرة والغازات السامة للتخلص من الأشخاص غير المرغوب فيهم ولصوص المقابر.

كما أرجع العلماء أيضًا سبب هذه الوفيات التي تحدث في ظروف غامضة إلى نوع من البكتيريا التي تتكاثر وتتطور وتنمو دون الأكسجين في القبور الصخرية للفراعنة والتي تُعد مكانا مثاليًا لها لوجود مومياوات ومواد قد تتعرض للتعفن، وأكد عدد من العلماء أن هذه الأنواع من البكتيريا يمكنها أن تعيش لآلاف القرون، فضلا عن أن بعضها تصبح خطيرة فقط بعد موتها، وتفرز سمومًا ومواد قاتلة.

وفى الماضى كان الأثريون يدخلون المقبرة على وجه السرعة بعد كشفها مباشرة، الأمر الذي يجعلهم يتعرضون لتلك البكتيريا التي تسبب الوفاة سريعًا، وهو ما يفسر حالات وفاة عدد من المستشكفين والعلماء.

وفى هذا الصدد أكد الدكتور زاهى حواس، الأثرى العالمي، على أنه كان يحرص، عند اكتشاف مقبرة جديدة، على أن يتركها مفتوحة لمدة يوم أو اثنين، وذلك حتى يخرج الهواء الفاسد ويدخل الهواء النقى.

وقد أرجع بعض العلماء سر لعنة الفراعنة إلى الإشعاع القاتل الذي يصيب المستكشفين من المواد المشعة المخزونة الموجودة في الأشياء الصغيرة غير المعروف لها فائدة أو غرض في القبور الملكية، وهى مواد قاتلة صممت لتنفيذ صيغ الموت التي هدد بها الفراعنة.
الجريدة الرسمية