رئيس التحرير
عصام كامل

التحرش فعل فاضح في الطريق العام

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

«من الصعب أن تكونى امرأة، فضلا عن مصرية»، جملة متداولة بين أوساط الفتيات والسيدات، تعبر بصدق، ووضوح، عما تحياه المرأة يوميا، في الشارع، ومكان العمل أوالدراسة، بل وحتى بين جدران البيت ووسط العائلة، من تحرش واعتداءات لفظية وبدنية، تترك تشوهات تعلق بشكل أبدى في روح ووجدان الضحية.


بدأ تداول مصطلح «التحرش» عام 1973، ليعبر عن المضايقات البدنية واللفظية التي تتعرض لها المرأة، بأعتباره تصرفا عنصريا ضد جنس النساء بشكل عام، بهدف ترويعها، وتهديدها، وإهانتها، ويمتد «التحرش» طبقا لتوصيف المركز المصرى لحقوق المرأة ليشمل أيضا النظر المتفحص إلى أجزاء معينة بالجسد، التعبيرات الوجهية، النداءات، الملاحقة، والتتبع.
لم يكن لظاهرة التحرش وجود ملموس، في الشارع المصري، حيث كانت المضايقات التي تتعرض لها الفتيات لا تخرج عن نطاق «المعاكسة» بشكل فردي، ثم وقعت حادث كانت شرارة البداية لسلسلة لا نهائية من وقائع التحرش المؤسفة والمأساوية في حق مئات الفتيات حتى الآن.

في عام 2006، باستاد القاهرة، وعقب إطلاق صافرة الحكم، معلنا فوز المنتخب المصرى ببطولة كأس الأمم الأفريقية، في ظل نشوة الانتصار أقدم أحد المشجعين على التحرش بفتاة داخل المدرجات، لينضم إليه العشرات من المشجعين ويتحلقون حول الفتاة بشكل عشوائي، وينتهى الأمر بتجريدها من ملابسها وإنقاذها باعجوبة من بين الحشود، فتكون بذلك أول واقعة تحرش جماعى في مصر.

وبعد أشهر قليلة في نفس العام، شهد أول أيام العيد، واقعة مشابهة، عندما قدمت الراقصة دينا بطلة فيلم «عليا الطرب بالتلاتة»، فقرة رقص بمناسبة عرض الفيلم أمام إحدى السينمات بوسط البلد، حيث تجمع عشرات الشباب لمشاهدة الفقرة المجانية، وبعد دقائق تحول الجمع إلى حلقة تكاد تفتك بالراقصة، لولا تدخل أفراد الحراسة الخاصة بها، فما كان من حشود المتحرشين إلا أن يوجهوا ذلك السعار إلى كل فتاة قادها حظها العثر إلى تلك البقعة في ذلك الوقت، لتنال من الاعتداء البدنى واللفظى مايكفى ليبقيها فزعة أشهر طويلة.

احصائيات محلية وعالمية
تحتل مصر باستحقاق تام ومطلق، المركز الأول عربيا، والثانى عالميا، في تفشى ظاهرة التحرش، لا يسبقها سوى دولة افغانستان، وذلك بشبه أجماع من كافة المراكز البحثية المهتمة والمختصة بهذا الشأن المحلى منها والعالمي.
فقد أفادت إحصائيات مكتب شكاوى المجلس القومى لحقوق الإنسان، أن مصر تحتل المركز الثانى منذ عام 2012، وحتى عام 2014 في ظاهرة التحرش اللفظى والبدني، بنسبة تصل إلى 64% من الفتيات والنساء.

كما أكدت نتائج مسح أجراه المجلس الدولى للسكان بمصر، أن 46.4% من الفتيات الصغيرات بين سن 13 إلى 17 عامًا قد تعرضن للتحرش الجنسى عام 2009، لترتفع النسبة وتصل إلى 49.5%، بحلول عام 2014، بينما نسبة التحرش بالفتيات من الفئة العمرية بين 18 إلى 29 عاما، وصلت إلى 49.7% عام 2009 لتنخفض إلى 42.6% عام 2014.
أما الاتحاد الأوربى فقد جاءت تقاريره عن أوضاع المرأة في العالم، لعام 2014 تفيد بأن 99.3% من النساء المصريات تعرضن للتحرش الجنسى بالأماكن العامة، وأن 82.5% من النساء لا يشعرن بالأمان أثناء تواجدهن في الشارع.
ومع تحول الأعياد الدينية، وأيام شم النسيم، وحتى التظاهرات والاحتجاجات، إلى مواسم حافلة بالعشرات من حوادث التحرش الجماعية والفردية، بدأت تظهر ملامح انتفاضة شعبية ومجتمعية، لمواجهة تلك الظاهرة بالتوعية تارة وبالقوة تارة أخرى.

فقد دُشنت العديد من الحركات الشبابية التطوعية لمناهضة التحرش، من بينهم: بصمة، شفت تحرش، أمسك متحرش، ضد التحرش، وغيرها من الحركات، التي نظمت العديد من الفعاليات بالشوارع ومحطات المترو، لتوعية الفتيات بضرورة مواجهة المتحرش، والدفاع عن حقها الذي يكفله القانون في محاسبة المتحرش، وعدم الرضوخ للعبارات السلبية، التي يطلقها المبررون للجرم، مثل:»ماتفضحيش نفسك، لبسك هو اللى مستفز، الشباب معذور»، بالإضافة إلى تعريف الشباب على مدى بشاعة الإقدام على فعل التحرش، وتأثيرة المدمر على نفسية الفتيات، وتشجيعهم على التصدى لإى واقعة تحرش بفتاة والتدخل للدفاع عنها وحمايتها.

أما التوجه الثاني، فقد شكلت تلك الحركات فرقًا من الشباب المتطوعين، لينتشروا في مواسم التحرش، وخاصة الأعياد، بشوارع وسط البلد، لرصد أي حالات تحرش، والتعامل مع المتحرشين لأ، وتسليمهم إلى أقرب دورية شرطية، بالإضافة إلى تقديم الدعم النفسى اللازم للفتيات في بعض الحالات الشديدة، التي قد تصل إلى هتك عرض.

تحرك الدولة
رغم تأخر دور الدولة متمثلا في تطبيق القانون وفرض الأمن، لمواجهة التحرش بمصر، ما أدى إلى استفحال الأمر، وخروجه عن نطاق السيطرة، إلا أنه بحلول شهر يونيو لعام 2014، أصدر المستشار عدلي منصور بصفته الرئيس المؤقت للبلاد –حينها- قرارا بقانون يقضى بتغليظ عقوبة المتحرش، متمثلا في معاقبته بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ودفع غرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية، سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة، بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية.

ولأول مرة يظهر للدولة رد فعل قوى تجاه التحرش، عام 2014 من خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبصحبته الفريق أول صدقى صبحى وزير الدفاع، والفريق محمود حجازى رئيس أركان حرب القوات المسلحة، للاطمئنان على حالة سيدة تعرضت للتحرش بوحشية حتى كادت تفقد حياتها، وذلك خلال احتفالات المواطنين في ميدان التحرير، عقب تولى «السيسي» سلطة البلاد، حيث قدم الرئيس اعتذاره للسيدة، مؤكدا خلال كلمته أنه لن يسمح بإفلات الجناه من العقاب، وتكرار مثل تلك الجرائم.. ولكنها ومع مرور الوقت لاتزال تتكرر.
الجريدة الرسمية