رئيس التحرير
عصام كامل

المهنة مُرشَّح.. والصنعة صبي مُرشَّح!


يقول المثل الشعبى القديم بتاعنا إن الشيء لزوم الشيء، وعند الأجانب الحاجة أُم الاختراع، وفى العصر الحديث اقترن الهلال بالنجمة الذهبية، وأصبح وجود أحدهما فقط دليلًا دامغًا على غياب علامة الجودة الشهيرة، بينما الباحث عن الكمال عليه أن يجمع بينهما معًا في مقشة أو طبق بلاستيك أو جردل واحد ولا مؤاخذة، وعند الفراعنة مقولة قديمة في موضوع التلازُم هذا تشترط عليك أن يُصاغ الأمر بصورة مقبولة وغير مُهينة فقالوا: كُن ظِل مسمار ولا تكُن ظِل حمار!


والحقيقة عندنا في بلادنا ناس مُبتكرين جدًا، ومن فرط ابتكارهم فرضوا على آخرين ابتكارات موازية، كى يصير التلازُم بين الطرفين حتميًا عملًا بالنصائح الثمينة بعاليه، ومن ضمن المُبتكرين دول أخونا مُرشَّح الانتخابات، وواحد هيقول لى إن المُرشحين كتير، لأ يا حبيبى، المُرشَّح المقصود هو الأخ المُمتهن لمهنة الترشيح، يعنى شغلانته إنه يترشَّح، ولو دوَّرت في أوراقه، لا هتلاقيه دكتور ولا محامى ولا صحفى ولا بتاع بطاطا، لكن هتلاقى صورة ملزَّقة على الحيطان في كُل مكان، على باب بيتك، على فاترينة دُكان، على حديد الجنينة، على الحيطة المهجورة اللى بتضطر لا مؤاخذة.. إحم، وهتلاقيه مترشَّح في أي انتخابات، مجلس شعب، شورى، نواب، مجلس محلى، المُهم إنه عاوز يجلس على أي حاجة وخلاص، وتلاقيه مترشَّح في كُل الدورات بقى، من أيام ما كان اسمه مجلس الأمة، لحد ما أصبح مجلسًا للنواب، مرورًا بكونه مجلسًا للشعب، ده طبعًا غير التسالى في مجلس الشورى قبل ما يتلغى، والحمد لله إن مجلس الآباء لم يُلغ!

والجميل إن صاحبَك دة بيعيش بهذه الصفة عادى جدًا بين الناس، وبيتفاخر بيها كمان، زى ما حضرتَك بتتفاخر بمنصبك، أو بترقيتك، أو بمقالك، أو بالفرع الجديد اللى فتحته لمشروعَك، أعرف أحدهم طبع كروت مكتوب عليها فلان الفلانى مُرشح مُحتَمَل سابق لرئاسة الجمهورية، قال يعنى كده الواد خلاص كان هايبقى رئيس جمهورية بس فَرَقِت معاه بونط، أو الترشيح جه في العارضة!

والعجيب إن أخونا ده رغم كونه مُرشَّحًا دائمًا، يمتهن الترشيح ويُمارسه بكُل ما يملك من قوة وطاقة وإصرار وتناحة، ويُمارسه أيضًا لا إراديًا، إلا أنه مع ذلك لم ينجح أبدًا في أي انتخابات، ولم يصل مُطلقًا لبَر الأمان ليجلس ويرتاح قليلًا تحت القبة، وبالتالى لم يشم ريحة الحصانة، ناهيك عن حرمانه من النوم في البرلمان، أو التصفيق فيه، أو رفع الأذان هناك!

لكن الأكثر عجبًا من ذلك ـ رغم أنه مُلازم ضرورى ورئيسى على أساس الشيء لزوم الشيء كما اتفقنا ـ هو أخونا صبى المُرشَّح، وهذا الصبى يؤمن بمُرشَّحه إيمانًا خالصًا وعميقًا لا يتزعزع ولا يروح ولا ييجى، وقد يُفضِّله على أبوه وأمه وعياله، لا سيما وهو بيشوف في مُرشَّحه هذا صفات لا يراها المُرشَّح ذات نفسه في نفسه ذاتها، وقد لا يقتنع بيها لو حاول الصبى إقناعه بوجودها جواه!

يعنى ييجى صبى المُرشَّح يقنعك بالتاريخ السياسي والنضالى للأخ المُرشَّح رغم إن عُمره ما شَم ريحة نضال، ورغم إنك إنت شخصيًا شاركت في تظاهرات ووقفات احتجاجية أكتر منه، وحَرَقت ضعف عدد كاوتشات العربيات اللى هو حرقها، وهاتيجى حضرتك تسألنى: هو النضال بيُقاس بعدد الكاوتشات المحروقة؟ هقول لَك أكيد فيه مقاييس تانية، زى إنك تسب الدين لأى واحد يخالفك في الرأى إن كُنت مُناضل علمانى أو ليبرالى، أو تنزع الانتماء للدين من أي واحد يخالفك في الرأى برضو إن كُنت مُناضل إخوانى أو سلفى، لكن في النهاية يبقى حرق الكاوتشات هو عنصر مُشترك بين الجميع، شوفت الكاوتشات المحروقة بتجمَّع الناس على الخير إزاى باختلاف ألوانهم وميولهم وعقائدهم؟!

وصبى المُرشَّح هذا يا عزيزى بيشوف في مُرشَّحه ـ اللى عُمره ما بينجح أبدًا ـ داهية سياسية، موسوعة ثقافية، مؤسسة اقتصادية، علامة اجتماعية، طفرة رياضية، مرجعية دينية، لدرجة إنه مُمكن يحلف لك إن مولانا الباشا بيصوم في رمضان من الفجر للفجر دون توقُّف، وبيحطَّم الرقم القياسى في رفع الأثقال وهو بيتفوَّق على كُل مُنافسيه في سباحة الفراشة وبيكسب بطولة رولان جاروس في التنس نفس ذات اللحظة وهو تحت الميَّة وصايم!

أعرف واحد منهم، صبى مُرشَّح عليه القيمة وشاب زى الفُل، قعد يوم الانتخابات يجهد في نفسه، ويستهلك كُل قوة عضلات حنجرته، ويشد بلا رحمة في عروق رقبته المسكينة، ويوزَّع في ورق الدعاية بكُل ما أوتى من قوة وإصرار، ويحلف بكُل أيمانات المُسلمين والمسيحيين والطلاق إن مُرشَّحه هو الأكثر كفاءة واستحقاقًا، والأنسب لهذا المقعد، ومن كُتر استغراقه في الدعاية للمُرشَّح يوم الانتخابات، نسى يدلى بصوته لصالح الراجل، وطبعًا هو زعل كتير بعد الموضوع ده وجاله اكتئاب شديد، لا سيما أن صوته كان هيفرق كتير مع سيادة المُرشَّح لأنه سقط وقتها بفارق خمسة وعشرين ألف وتسعمية وواحد صوت.. يا خسارة الواحد اللى كان في أيديهم وضاع ده!

في الأسبوع المُقبل ـ لو عِشنا وكان لينا نشر ـ قد نتناول موضوعًا مُشابهًا تحت عنوان: المهنة مقاطع.. والصنعة صبى مقاطع!
الجريدة الرسمية