رئيس التحرير
عصام كامل

هناك شيء اسمه الأمل


من الضروري أن تعيش بالأمل، وأن تتشبث به فلا ينفصل عنك أبدا، مهما واجهتك المصاعب والشدائد؛ لأن فقدانه معناه فقدان القدرة على العمل، بل القدرة على الحياة.. من الضروري أيضا أن تضع حواجز وعوائق تمنع تسرب الإحباط واليأس إلى نفسك، وأن تظل همتك عالية، وعزمك قويا، وإرادتك صلبة، ولا يكون هذا إلا بالإيمان بالله تعالى أولا، وبعدالة قضيتك ثانيا، وبثقتك بنفسك ثالثا، وبإصرارك على تحقيق أحلامك رابعا.. كثيرون منا فشلوا في دراستهم، أو تجارتهم، أو مشروعاتهم..


البعض من هؤلاء أصابهم الإحباط والقنوط، وربما وصل إلى حالة من الاكتئاب، والبعض الآخر لم يستسلم، أخذ من التجربة زادا من الدرس والعظة والعبرة، وحاول مرة ثانية، ونجح.. إن أعداءك وخصومك يمكن أن يلحقوا بك هزيمة دون الاشتباك معك في قتال.. هذه هي الحرب النفسية.. تنبه لها يا صاحبي.. بادر بالتصدي لها ومواجهتها دون تردد أو وجل.. ليكن لك مشروعك.. حدد هدفك ووسائله وما الذي يحتاجه، ومتى تبدأ.. اختر أنسب الظروف ملاءمة.. استعن بالله ولا تعجز..

في بداية الستينيات من القرن الماضي، كنت عضوا بفريق الجمباز لجامعة أسيوط، وكان يقوم على تدريب الفريق رجل صوفي (لا يحضرني اسمه الآن) كبير السن، يعمل أساسا مفتشا للتموين.. ويبدو أن اختياره مدربا جاء على أساس أنه كان لاعبا في الثلاثينيات.. في إجازة نصف العام الدراسي (٦٠ - ٦١)، شارك هذا الفريق في بطولة أسبوع شباب الجامعات، الذي عقد - على ما أذكر - في نادي الجزيرة بالقاهرة.. وقد بذلنا كفريق جهدا كبيرا في التدريب، ومن خلال التشجيع المستمر لمدربنا الصوفي كانت تسبقنا - قبل سفرنا - لحضور المسابقات، الآمال والأحلام بأن فريقنا سوف يكون من الفرق الأولى، إن لم يكن الأول..

المشكلة أنه لم تكن لدينا فكرة عن الفرق المشاركة، من حيث مستوى أدائها، ولم تحدث بيننا وبينها، أو مع إحداها أي احتكاك.. كانت الفرق المشاركة من جامعات القاهرة، عين شمس، الإسكندرية، وأسيوط، إضافة إلى فريق المعهد العالي للتربية الرياضية (كلية التربية الرياضية حاليا)، وفريقي الكلية الحربية وكلية الشرطة.. وبدأت البطولة، ورأينا عروضا على مستوى عال جدا لم يجل بخاطرنا، واكتشفنا أن فريقنا بينه وبين الفرق الأخرى، بعد المشرقين، تماما كالفارق الحضاري بين الصعيد "الجواني" والقاهرة (!)

بدا الحماس - رغم تحفيز وتشجيع مدربنا الهمام - يفتر رويدا رويدا.. عند منتصف الطريق، بدا المستوى متخلفا ومضحكا، وهو ما جعل أعضاء الفريق يحاولون الاختفاء والانزواء في مكان قصي، تحت وطأة النظرات التي تلاحقه، والتعليقات الهزلية التي وصلت إلى مسامعه، والابتسامات الساخرة التي ارتسمت على معظم - إن لم يكن كل - الوجوه.. طالب أحد الأعضاء، المدرب بإعلان الانسحاب وعدم استكمال السير في البطولة.. اعترض المدرب، وطالبنا بالاستمرار، مهما كانت النتائج.. كان مدربنا الهمام لا يعرف شيئا اسمه الهزيمة، أو الخجل.. جمعنا حوله.

قال وقد افتر ثغره عن ابتسامة عريضة: لا تحزنوا يا أبطال.. أنتم تؤدون ما عليكم بشرف ورجولة.. صمت قليلا، ثم قال بحسم: لا تنسوا أن من شارك في البطولة، فهو بطل.. منحتنا هذه الكلمات شحنة هائلة من الثقة بالنفس والرغبة في أن نكون عند حسن ظن الرجل بنا.. تولد لدينا عزم جديد.. شيء عجيب أن يتم هذا التغير في لحظات قصار.. بذلنا جهدا كبيرا، بل خارق، لدرجة أذهلت الفرق الأخرى واجتذبت احترامها وتقديرها.. تغيرت النظرات والتعليقات والابتسامات السابقة، وحل محلها شيء آخر مختلف تماما.. وكانت النتيجة إلى حد ما مرضية، على الأقل حفظتنا من الوقوع في هاوية الترتيب الأخير..

هذه هي مهمة الرئيس الأولى.. أن يبذر بجد بذور الأمل فيمن حوله، أن يحفزهم على العمل بهمة وعزم وشجاعة، ودون خوف.. أن يكون قدوة لهم في الروح، والكلمة، والحركة، واللفتة، والسكنة.. وعلى هؤلاء أن ينقلوا ما استوعبوه وفهموه وتعلموه من الرئيس، إلى من بعدهم، وهكذا إلى أن يصل الأمر إلى آخر مواطن.. ليس هذا مستحيلا، أو صعبا.. بل إنه ممكن.. المهم أن نبدأ وأن يكون لدينا يقين أننا سوف نصل، فرحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، وأول الغيث قطرة.. والله المستعان وعليه التكلان.
الجريدة الرسمية