رئيس التحرير
عصام كامل

ديمقراطية التوكتوك وثقافة التعايش

فيتو

ديمقراطية التوكتوك... وهى نوع جديد من الديمقراطية التى تشبه أفلام الخيال العلمى من تأليف وإخراج وإنتاج مجموعة من المثقفين المصريين الذين يعرفون حقيقة الديمقراطية ولكن لكونها لا تناسبهم لم يجدوا أمامهم حلولًا إلا استنساخ نسخة مشوهة من الديمقراطية وملخصها أنه إذا نجح مرشح فى أى مجال بنسبة 51 بالمئة وكان على هواهم فهذا نجاح باهر عظيم وإن لم يكن على هواهم فهذا فشل ذريع وعلى الرغم من أن هذه ازدواجية غير قابلة للشك لأن قواعد الديمقراطية ثابتة لا تتغير بتغير أحوال وظروف البلاد إلا أن ما يثير الشك هو نواياهم التى نشم رائحة المصالح الشخصية فيها عن بعد .


بعد عامين كاملين من الثورة لا أعتقد أننى وحدى التى تغيرت بل تغير معى كل المصريين ولم يعد نفس التفاؤل ولم تعد نفس الروح ... أجيال مبارك ليست مجرد أجيال ذهبت أو وصلت من العمر ما يؤهلها إلى الرحيل بعد وقت قصير.. أجيال مبارك هى نحن جميعًا... أجيال مبارك نواة تكونت داخلنا صغارًا وكبرت مع الأعوام.. سيطرة الأنا وحديث الأنا متغلغلة فينا جميعًا... عدوى تنتقل وتسرى فى الدماء... حين أحاول أن أجد مخرجًا لهذه الأنا التى تهيمن علينا جميعًا.. لا أجد مخرجًا إلا بالإيمان بالله... حقًا لو كنا مؤمنين لكنا منصفين.. حقًا لو كنا مؤمنين لما ركبنا العناد الذى يزينه لنا الشيطان والقادم لنا فى ميراث الفراعنة بقدر عظمتهم بقدر عنادهم بقدر غضب الله عليهم .

حين تراقب أحداث مصر بتمعن وتتألم لمشاهد الدخان المتصاعد من النار التى أكلت تراث وذكريات مصر تتأكد من تلك الأفكار والنداءات التى لم يتوقف عن إطلاقها العقلاء على مر عامين بعد الثورة .

إذا تابعنا وقرأنا فى ثورات الشعوب لوجدنا نفس السيناريو يتكرر... بقايا أى نظام ساقط لا تستسلم بسهولة ولا تترك الساحة المتشعبة بمصالحها وما كان ليوقف زحفها إلا قلوب محبة لمصر وقيادات قوية مؤثرة ولكن القلوب كانت أطماعها أكبر من الحب وتصدرت الأنانية المشهد السياسى بكل معانيها.. والقيادات ضعيفة والنوايا الحسنة لا تكفى لحكم الشعوب .

إن ثقافة الحوار وثقافة الاختلاف ليست الثقافة الوحيده التى نتعلمها فى أوروبا ...هناك ثقافة أخرى وهى ثقافة التعايش وقبول الآخر والتعامل معه على أنه شريك وطن متساو فى الحقوق والواجبات له ما لنا وعليه ما علينا أيًا كان فكره أو عقيدته أو انتماؤه الفكرى ...

منظومة العمل الجماعى شبه منعدمة عندنا وهذا هو السبب الرئيسى لما نحن فيه .. ولعل أبرز دلائلها التعامل مع المصرى المقيم بالخارج على أنه منفصل عن بلده ولا يؤخذ رأيه فى الاعتبار إلا اذا صادف هوى بعض الناس ......إن أردنا أن نكون عادلين مع أنفسنا فعلينا أن نعترف أننا نحن المسئولون عن ما آل إليه حال مصر ... الشعوب هى التى تفرز الحكام والقيادات ... أى وطن هذا الذى يتحمل أن تحكمه الأهواء ...أى وطن هذا الذى تتكون فيه مجموعات تتحرك وكأنها وصية عليه ... أى وطن هذا فى أقسى أزماته مستغل .... أى وطن هذا الذى ننشده ولا تزال أيدى الفلول والثورة المضادة تعبث فى كل مكان لتدمره .... وكأننا نحتاج إلى كارثة حقيقية تهدده فتجبرنا على أن نتحد معه لننقذه ...

وكأننا نحتاج لأن توشك السفينة على الغرق لكى نجلس معا لنتفاوض ونتفاهم ويعترف كل منا بالآخر.. وأتمنى أن يدركوا هذا قبل أن تتحول مصر إلى حطام .

الجريدة الرسمية