رئيس التحرير
عصام كامل

أزمات «الجورنالجية»

 الكاتب الصحفى الراحل
الكاتب الصحفى الراحل محمود عوض

في كتابه "أفكار ضد الرصاص" قال الكاتب الصحفى الراحل محمود عوض: السلطة في المجتمع العربي كانت لها دائمًا مقاييسها الخاصة التي تخفيها دائمًا وتعلنها أحيانـًا.. إنها تعتبر أن الخوف صبر.. والجمود عقل.. والتطور جنون.. والتجديد إلحاد.. والحرية كفر.. والتفكير جريمة.. والضعف نعمة.. والجبن قيمة.. والشجاعة رذيلة.. والصمت حكمة.. والجهل فضيلة.. والتمرد زندقة.. والاختلاف خيانة.. والظلام نور.. والظلم عدل.. والطغيان قوة.. والإرهاب قانون.. والحاكم إله.. والمرأة حيوان.. والشعب عبيد.. التاريخ أسطورة.. والماضي مقدس.. والحاضر مقبول.. والمستقبل ملعون.


وفى سياق ما سبق.. لا بد أن نتساءل.. هل لدى نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي ما يمكن أن يطلق عليه "ساحات فارغة" يريد أن يملأها بأعداء جدد ومعارك جديدة؟.. هل يجب أن يوضع كل من يحمل كارنيه نقابة الصحفيين، أو يعمل في المهنة بشكل عام في خانة "أعداء الوطن"؟.. وقبل هذا وذاك.. هل قدمت الأجهزة المعنية بالأمر المعلومات الحقيقية والكاشفة للوضع الراهن، وخرج على الجانب الآخر من يردد الأكاذيب وينشرها؟.. ثلاثة أسئلة لو هناك عاقل يمتلك الإجابة عنها، وقتها، سيكون في إمكان الجميع الخروج من مأزق "التخوين".. أزمة التهديد.. وسيناريو "من ليس معى إذن بالتأكيد هو ضدي".

الواقع الراهن يؤكد، بما لا يدع مجالا للشك، أن الجسد المصرى لا يقوى على تحمل طعنات أخرى، القاهرة لا تتحمل ضربات جديدة.. لا يمتلك رفاهية الحرب على أكثر من جبهة، وإن كان يمتلكها، فـ"الوقت لا يسمح".. فالموسم الدرامى السياسي ممتلئ على آخره بكل أصناف الدراما.. العنف متواجد وبكثرة.. الشاشة تكاد تنفجر من مسلسلات "المؤامرات".. الصفقات هي الأخرى وجدت لها حيزا في "جدول العرض".. لكن يبقى العمل الدرامى السياسي الأهم، خارج "نطاق العرض".. ألا وهو الوطن.

الصحافة لا تريد "جر شكل" أحد.. لم يقف أعضاؤها في شارع "عبد الخالق ثروت"، حيث مقر نقابتهم، ليعلنوها "إمارة صحفية مستقلة"، ولم تحاول أي صحفية مصرية أن تكون طرفا في معادلة "هدم الوطن".. الحكاية باختصار "سوء إدارة" وإن شئنا الدقة، يجب أن توصف بــ"سوء فهم".. فـلا الصحفيون يريدون أن تكون على رأسهم ريشة، ولا التاريخ يحمل بين صفحاته حالة واحدة لنظام سياسي استطاع أن يصيب وسائل إعلامه بـ"الخرس التام"، فدائما هناك مخرج... نافذة لم تصل إليها أيدي مستشاري السوء، أحسن استغلالها لـ"لصالح الوطن" من يطلق عليهم "الجورنالجية".

الأنظمة السياسية المصرية المتعاقبة دخلت في أزمات طاحنة ومعارك شرسة مع الصحفيين، الذكريات تؤكد أن الفوز كان من نصيب تلك الأنظمة في أحيان عدة، لكن التاريخ ما زال يذكر أيضا أن "الصحفيين" كانوا دائما في مقدمة "طابور الوطنية"، خسروا جولات عدة لكنهم في النهاية فازوا بكل المعارك، قالوا، في لحظة خوف انتابت الجميع "للغولة.. عينك حمرا"، وعندما تتقن تلك الأنظمة عملها، تكون "صاحبة الجلالة" في مقدمة من يشدون على يديها، يقدمون لها كل فروض الولاء والطاعة "على سنة الوطن".

الجريدة الرسمية