رئيس التحرير
عصام كامل

مأساة الفول المدمس في رمضان

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

يعتبر طبق القول المدمس من معالم الشارع المصري منذ القدم، فقد اشتهرت مصر بزراعة الفول البلدي منذ عهد الفراعنة وحتى اليوم، ولقد ذُكر في موسوعة وصف مصر، المؤلف الشهير لعلماء الحملة الفرنسية منذ مائتي عام ونيف، أن الفول يزرع بوفرة في ولايات جرجا وأسيوط والمنيا وفي الفيوم وضواحيها، وتصبح زراعته في الدلتا أقل عطاءً، ونادرا ما تمتد زراعته في مصر العليا إلى ما وراء قوص، أو في الدلتا شمال سمنود.


ويصل إنتاج الفدان لسبعة أرادب (1120 كجم)، وكانت تصدر منه كميات كبيرة لجزيرة العرب وبلاد البحر الأبيض المتوسط، واليوم لا يسبب لك أي اندهاش حين ترى مطاعم الفول ومنتجاته تستحوذ على الغالبية العظمى من الزبائن، وخاصة مع شروق شمس كل صباح وذهاب غالبية الشعب لأشغالهم وحقولهم وأبنائهم لمدارسهم وجامعاتهم، فالجميع يتسابق على طبق الفول أو حبات الطعمية (فلافل) ذات الرائحة الذكية التي تدغدغ حواس الشم وتحرك مراكز الجوع لدى غالبية سكان مصر.

ومع حلول شهر رمضان الكريم، يتزايد استهلاك المصريين للفول المدمس الذي يعد طبقًا أساسيًا على مائدة السحور، وتصل الزيادة لنحو 70 ألف طن تقارب قيمتها 220 مليون جنيه، وفي العام الماضي (2014) كان سعر طن الفول البلدي 5500 جنيه، بينما تراوح سعر الفول المستورد بين 3200 و3500 جنيه؛ نظرا للجودة العالية للفول البلدي وطعمه المحبب وعدم استغراقه وقتًا طويلًا أثناء التدميس.

نبات الفول البلدي (Vicia faba) هو محصول البقول الأول في مصر من حيث المساحة المنزرعة والإنتاج الكلي والاستهلاك؛ حيث تستخدم بذوره الخضراء والجافة في تغذية الإنسان؛ نظرًا لاحتوائها على نسبة مرتفعة من البروتين تصل لنحو 28% والكربوهيدرات 58%، بالإضافة إلى عديد من الفيتامينات (أهمها فيتامين ب)، وبعض الأملاح المعدنية (مثل الفوسفور والحديد والنحاس والبوتاسيوم)، هذا بالإضافة إلى دور الفول البلدي في تحسين خواص التربة وزيادة خصوبتها، كما لا يفوتنا أن نذكر أهمية تبن الفول في تغذية الحيوانات.

ولكن تصدمنا البيانات عن المساحة المنزرعة والإنتاج في السنوات الأخيرة، وعن مدى تدهورهما وتناقصها بشكل مذهل، فتناقصت المساحة خلال الخمسة عشر عاما الماضية (2001 – 2015) بنسبة 70%، ومعدل الاكتفاء الذاتي تراجع من 99% إلى 30% فقط، وأصبحنا نستورد الفول كما نستورد فوانيس وياميش رمضان غالبا من الصين، وأيضا من أستراليا وإنجلترا وفرنسا وروسيا، رغم قلة جودته عن الفول المصري، فكانت مساحة الفول الزراعية 322 ألف فدان في موسم 2001 / 2002 (والإنتاج 405 آلاف طن)، ثم أخذت في الانخفاض حتى وصلت إلى أدناها في موسم 2011 / 2012 (98 ألف فدان فقط)، لتصعد قليلا في الموسم الماضي، الذي سبقه ولكنها مازالت بعيدة جدا عن سد حاجة السكان، التي تقدر حاليا بنحو نصف مليون طن سنويا (بحساب أن نصيب الفرد في مصر سنويا قرابة 6 كجم فول).
الجريدة الرسمية