وكانت فريضة غائبة!
وإذا كان الغرب يتباهى بشفافية محاسبة الرؤساء والمسئولين على الملأ مثلما عاقبت أمريكا نيكسون في فضيحة ووترجيت المشهورة وبيل كلينتون في فضيحة تحرشه جنسيًا بمتدربة البيت الأبيض مونيكا بتهمة الكذب.. وبينما فقد نيكسون منصبه الرئاسي لخطأ ارتكبه فقد احتفظ كلينتون بمنصبه بعد أن غفر له الجميع كذبه وإن ظلت الفضيحة تطارده أمام عدسات التصوير في جميع أنحاء العالم.. كما لم يفلت رئيس البنك الدولي الأسبق شتراوس من الحبس لذات التهمة وهي التحرش بإحدى عاملات الفندق الذي كان يقيم فيه.
ولم تكن أمريكا وحدها من حاسبت رؤساءها على جرائمهم بل فعلت بريطانيا هي الأخرى ذلك مع رئيس وزرائها توني بلير الذي مثل للتحقيق أمام لجنة شكلها مجلس العموم البريطاني للنظر في تجاوزات ارتكبها في حرب العراق وأضرت ببلاده.. وكذلك فعلت فرنسا مع تجاوزات رئيسها جاك شيراك، وفعلت إيطاليا مع رئيس وزرائها بيرلسكوني الذي حوكم لعلاقاته غير السوية بفتاة مغربية الأصل وفتيات أخريات.. وحتى إسرائيل مارست ذات النهج وحاسبت عددًا من كبار مسئوليها ومنهم من فقد منصبه بسبب تلك التجاوزات مثل إيهود أولمرت رئيس الوزراء الأسبق.
اعتدنا رؤية مثل هذه المشاهد في دول عديدة شرقًا وغربًا من أمريكا لليابان وحتى باكستان والهند وإندونيسيا وغيرها على عكس الحال عندنا قبل ثورة يناير.. فلم نشهد محاكمة لأحد كبار المسئولين بل كان صغار الموظفين يقدمون دائمًا كبش فداء للنظام كله، مثلما رأينا في كوارث مؤلمة مثل حوادث السكة الحديد والطرق والمباني التي آلت للسقوط وجرائم نهب المال العام والتربح من الوظائف واستغلال النفوذ والإهمال، وهي الجرائم الكبرى التي أدت بنا إلى ما نعانيه اليوم من أزمات في الصحة والتعليم وتدني السلوك وانحدار القيم والتطرف.
لم يكن ثمة إرادة سياسية للتطهر أو التطهير والخلاص من آفة الفساد.. كانت الحكومات غارقة في الفساد حتى النخاع ولم يكن الفساد للركب كما قال أحد رموز نظام سابق بل كان حتى الرأس.. تعملق الفساد وتنوعت صوره وتوحشت خلاياه واتحدت فصائله فوجدنا فسادًا اقتصاديًا وإداريًا وإعلاميًا وتعليميًا وسلوكيًا.
ثقافة المحاسبة والشفافية كانت فريضة غائبة عندنا رغم حضورها في دول كانت أقل منا يومًا، ثم سبقتنا بفضل احتكامها للقانون وتفعيلها لسياسة الثواب والعقاب.. ولو أننا طبقًا القانون على الكبير والصغير ما وصلنا لهذا التراكم الهائل من الفساد على نحو مخيف، نراه اليوم ونجنى حصاده المر تخلفًا وأمراضًا وتراجعًا على مستويات عديدة.