رئيس التحرير
عصام كامل

ذكريات جندي الكتيبة "ك 32 فهد" في حرب العاشر من رمضان.. عربات التوجيه المعنوي بثت الأناشيد الوطنية في ساحة القتال لإثارة حماسنا.. والمشاة وسلاح المهندسين أول من عبروا القناة

أكتوبر 1973
أكتوبر 1973

"الحرب مش سهلة كنا بنعبر فوق جثث زمايلنا وأنا شوفت الموت مرتين".. هكذا وصف عبد السلام بركات، الجندي بالكتيبة "ك 32 فهد"، صواريخ مضادة للدبابات بالقطاع الأوسط من الجيش الثاني ميداني، في شهادته التي رواها لـ"فيتو"، عن العاشر من رمضان الموافق 6 أكتوبر 1973.


ويضيف عبد السلام بركات: "كتيبتي كانت في منطقة الفردان بالقطاع الأوسط، وفي صباح يوم العاشر كنا صائمين إلا أن قائد الكتيبة المقدم عاطف شعيل جمعنا وأمر بإحضار "جراكن المياه" وأمرنا بالإفطار، وحين اعترضنا قال إن هذا أمر، وإن القيادة تتحمل وزر الأمر عنا، إلا أن بعضًا منا رفض الإفطار بعدها تم تجهيزنا للانطلاق إلى ضفاف القناة".

ويكمل قائلا: "في طريقنا لضفة القناة كان أغلبنا يعتقد أنه مشروع كما كان يحدث في الفترة الأخيرة، والمشروع هو تدريب نقوم به للتعرف على خطط عبور القناة، إلا أن الطيران حسم الأمر؛ حيث رأينا الطائرات فوقنا عائدة من الضفة الشرقية للقناة قبل الساعة الثانية ظهرًا بدقائق".

وتابع: "عربات التوجيه المعنوي كان لها أبلغ الأثر في هذا اليوم في إثارة حماسنا للقتال، فكانت العربات تدور وسطنا أثناء القتال وتذيع الأناشيد الوطنية، وغيرها من كلمات منها ما يطالبنا بأخذ ثأر زملائنا الذين قتلوا غدرًا في 1967، وكانت هذه الكلمات لها أبلغ الأثر فينا، لاسيما أمثالي الذين عاصروا النكسة، فكان الجنود خاصة على المدفعية التي كانت تمهد للمشاة يتراهنون على الأهداف من أبراج وغيرها، وكنت أنا وغيري من الجنود لا نستطيع الانتظار للوصول إلى معبر نعبر عليه، فكنا نتمنى أن نسير على الماء".

ويضيف عبد السلام: "كنا ننصب الصاروخ في الرمال ونحركه بموجب ذراع يشبه ذراع الأتاري القديم، وكنا نتراهن وزملائي على إصابة الدبابات، ونتبع أسلوب ضرب الدبابة الأولى والأخيرة، ومحاصرة باقي الرطل".

ويستعيد عبد السلام ذكريات اليوم قائلًا: "المشاة كانوا هم البداية، فكانوا أول من عبروا بالإضافة إلى سلاح المهندسين، وبذلك تحملوا عبئًا كبيرًا عن باقي الأسلحة، وكان من المشاهد التي لن تُمحَى من ذاكرتي أبدًا ما حييت مشهد الجنود مشتعلين بالنابلم الذي كان في أفخاخ داخل الساتر الترابي لخط بارليف، وكان الرمل يسقط فوق القناة منصهرًا، فأنتم تحتفلون كل عام بالنصر ولكن لا تعلمون أن ثمنه كان عبورنا على جثث منصهرة لأصدقائنا وزملائنا، فالحرب ليست سهلة، وما نخسره فيها قد يتوه في الاحتفال بالنصر، إلا أنه لا يُنسى في ذاكرة من عاشوه".

ويستطرد: أذكر أيضًا مشهدا آخر لجندي بعد استقرارنا في قرية الجلاء بسيناء، أصيب بشظايا كسرت ساقيه حتى أن العظم كان بارزا من ساقيه وكانت ساقاه "مقطومتين"، فحملته أنا وزميل يدعى نبيل جورج ماكس، من شارع خلوصي، لنذهب به إلى المعبر لعلاجه وكانت المسافة للمعبر نحو نصف كيلومتر، وفي الطريق أغارت علينا طائرة فألقينا بزميلنا على الأرض، وانبطحنا وحين رفعنا رأسنا وجدناه يركض على عظام ساقه وباقي ساقه خلفه.

ويتابع عبد السلام: استطعنا القتال بقوة سبعة أيام، كان الجيش المصري متفوق بشدة على الجيش الإسرائيلي إلى أن تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك كنت مقتنعا بقرار السادات بالموافقة على وقف إطلاق النار؛ لأننا لما نكن نحارب إسرائيل.

ولا ينسى عبد السلام، اللواء عساف ياجوري الذي استطاعت كتيبته أسره، ويروي قصة أسره قائلًا: كان رطل الدبابات بقيادة الجنرال عساف ياجوري يسعى لإحداث ثغرة ينفذ منها الجيش الإسرائيلي، وهي الثغرة التي تم إحداثها بعد ذلك، فقام أحد الجنود باصطياد ثلاث دبابات الأولى والأخيرة وأخرى في المنتصف، ولأن الدبابات تسير على صف واحد فإن الدبابات تعطلت، وقام اللواء عساف برفع الراية البيضاء، وتم أسره والاستيلاء على باقي الدبابات.

"الحرب أخذت مننا الكثير"، هكذا قال عبد السلام وهو يتذكر الصول حسني الذي فقده في الحرب، قائلًا: "كان من الأصدقاء المحببين إلى قلبي للغاية، ورغم أننا فقدنا الكثير من جنودنا إلا أن حزني عليه كان أكبر من حزني على البقية، كنا في القرية التي تمركزنا بها في سيناء "الجلاء" وقمنا بإعداد خنادق ودوشم للاختباء من الغارات، وكان لدى الإسرائيليين مدفع كنا نسميه "أبو جاموس" كانت ضرباته عشوائية إلا أن أزمته كانت في أن قنابله ما أن تنفجر حتى تخلف شظايا كثيرة، وقد أصابت الشظايا رقبة الصول حسني داخل الخندق فأطارتها".

وعن رؤيته الموت مرتين خلال الحرب، كشف عبد السلام عن ساقه ورقبته؛ حيث أصيب في رقبته بثلاث شظايا، بينما أصيب في ساقه بشظية واحدة، ويقول عبد السلام عن تلك الإصابة: كانت في يوم 18 أكتوبر أي بعد 12 يومًا من اندلاع الحرب، أصيبت بها بعد الضرب العشوائي للقرية، فالطائرات كانت تلقي قنابل زمنية، وقنابل بلي شبيهة بالخرطوش، وكانت القنبلة بمجرد انفجارها تملأ أرض القرية بالبلي والشظايا، وقد أُصِبت بها وتم نقلي للمستشفى".

أما عن المرة الثانية، فيقول عبد السلام "بعد دخول الطيران الأمريكي على خط المواجهات معنا كان من الصعب ضرب الطائرات بالصواريخ؛ لأن بعد ضرب صاروخ واحد فإن الطائرات تبيد المنطقة التي يخرج منها الصاروخ، فكان الجنود يقومون بخطأ قاتل أدى لفقدان العديد من الجنود، وهو أن الجنود كانوا يحفرون أماكن اختباء داخل الساتر الترابي، وكانت الطائرات تلقي بقنابل ضخمة زنة ألف رطل على خط بارليف، ونتيجة القنبلة تكون حفرة تستطيع دفن أكبر مركبة عسكرية دون أن يظهر لها أثر، ونتيجة لقوة القنبلة كان يحدث ما يسمى "الخلخلة" الساتر لتدفن الجنود أحياء داخل الساتر".

وأضاف عبد السلام: كنت أحد هؤلاء الجنود، وبالفعل دفنت داخل الساتر، إلا أن الجندي ماهر وهبة ماكس قام بالحفر لاستخراجي من ذلك القبر الذي وُضعت فيه حيا، وظل يحفر بيديه العارية وأعتقد أنه لو كان يستطيع أن يحفر بفمه لكان فعل ذلك، وبعد أن أخرجني أصبح يركض بين موقعي وبين القناة؛ حيث يحمل المياه ويلقيها على وجهي لأفيق بعد دخولي في إغماءة نتيجة نقص الأكسجين، وكانت المياه مالحة وتحرق عيني بقوة، إلا أنني لم أكن أستطع حينها إخباره بذلك، فصوتي قد ذهب من كتمة التراب فوق صدري".
الجريدة الرسمية