رئيس التحرير
عصام كامل

البناء المخالف.. «مَوّتنى.. شكرا»


« 16 مليار جنيه»..الرقم السابق ليس قرضًا تسعى الحكومة المصرية إلى الحصول عليه، وإنما هو فقط حجم الغرامات المستحقة للدولة جراء مخالفات البناء طبقًا لتقارير جهاز التفتيش الفنى على سلامة المباني، والمكلف بحصر المخالفات، حيث كشف الجهاز في الحصر الذي جرى للعقارات التي أقيمت في الفترة من 2009 – 2013، عن وجود نحو 318 ألف عقار مخالف، و415 مليون وحدة سكنية من دون ترخيص في كافة المحافظات، في الوقت الذي فقدت مصر فيه نحو 300 ألف فدان من الأراضي الزراعية الخصبة بسبب البناء عليها، رغم القوانين المؤثمة للبناء على الأراضى الزراعية أو البناء دون ترخيص.


ويحكم البناء في مصر قانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008، والذي وضع عدة اشتراطات للبناء منها: وجود مهندس مشرف على كل مراحل عملية البناء، وكذلك شروط إصدار التراخيص، إلا أن القانون ضرب به عرض الحائط على مدى سنوات عديدة، وزادت الأزمة مع الانفلات الأمني الذي أعقب انسحاب الشرطة في جمعة الغضب 2011، مما زاد معدلات البناء المخالف.

كان مجلس الوزراء قد أقر اوائل العام الحالى قانونًا يكفل التصالح على مخالفات البناء الأمنة انشائيًا شريطة عدم إقامتها على الأراضي الزراعية، وهو قانون مؤقت تبلغ مدة سريانه 6 أشهر فقط، حيث يتم التصالح على المخالفات القائمة وقت بدء العمل معه، ولايسرى على المخالفات التي تنفذ بعد ذلك التاريخ، وتبلغ حصيلة الأموال المتوقعة من المخالفات 200 مليار جنيه، إلا أن مؤسسة الرئاسة رفضت القانون، وجاء في مذكرة المستشار القانونى للرئاسة التي وافق عليها رئيس الجمهورية، إنه متحفظ على مشروع القانون في الوقت الحالى، حيث إن التصالح يغلق الطريق أمام إصلاح أي مخالفات مهما استثنيت من التصالح، فصدور هذا القانون يعطى انطباعًا أن الدولة عاجزة عن إزالة المخالفات.

جاء بالمذكرة أن الأجهزة المحلية ستهتم بالمبانى التي يتم التصالح بشأنها وتنسى المبانى المخالفة التي لا يجوز فيها التصالح، مستشهدًا بحال جميع القوانين السابقة التي أقرت التصالح، موضحًا أنه بمجرد صدور هذا القانون يشيع لدى الناس أن الحكومة تصالحت في مخالفات البناء جميعها ولا ينظرون إلى الاستثناءت التي تضمنتها القوانين على هذا التصالح.
وأكد المستشار القانونى لرئاسة الجمهورية ضرورة أن تبدأ الدولة في إزالة أكبر قدر ممكن من المبانى التي أقيمت ولا يجوز فيها التصالح، ثم يصدر هذا القانون بعد ذلك.

«الدراسة الأمنية، المرافق، الفساد الإداري» هذا هو ثالوث دعم البناء المخالف في مصر، ليستمر كابوس المتاجرة بارواح المصريين المعلقة في عمارات شاهقة لا يوجد أي رقابة على عملية بنائها، وقوتهم الذي يضيع بسبب البناء على الأرض الزراعية.

الضلع الأول للثالوث وهو ما يعرف بالدراسة الأمنية لقرارات الازالة، فطبقًا لقانون الإدارة المحلية، وكذلك المادة 60 و61 من قانون البناء الموحد 119 لسنة 2008، فإن قرار الإزالة للتعديات على الأراضى الزراعية يتم فورًا، بمجرد تحرير المخالفة من قبل وزارة الزراعة على أن يتم إبلاغ الشرطة التي تقوم بحملة لإزالة التعديات، ويستلزم لاى قرار ازالة وجود قوة من الشرطة التي تجرى دراسة أمنية حول تأثيرات القرار، وطبقًا لتعليمات غير معروفة المصدر وغير معلنة فإن الشرطة تمتنع عن تنفيذ القرار حال كون العقار غير شاغر، وهى الحيلة التي يلجأ لها أصحاب العقارات المخالفة بناء على نصيحة المقاول بأن يتم تسكين الطابق الأخير لاحد العمال أو أقارب المالك ليمنع بذلك قرار الإزالة، حيث توصى الدراسة الأمنية في هذه الحالة بعدم تنفيذ القرار.

أما الضلع الثانى لدعم البناء المخالف فهو المرافق، فحتى قبل ثورة 25 يناير 2011 كان مد المرافق للمبانى المخالفة ممنوعا، وكانت المبانى المخالفة تسرق الكهرباء عادة، وهو ما كان يمنع تسكين تلك المبانى لأن المستأجرين والسكان يرفضون السكن في مبنى غير مرخص، بالإضافة إلى مخاطر سرقة التيار المتمثلة في الأساس في تلف الأجهزة المنزلية وكذلك الحرائق، إلا أنه في 2010 قدمت وزارة الكهرباء مذكرة لمجلس الوزراء قالت فيها “نظرًا لسرقة التيار الكهربائي، واعتراض الجهاز المركزى للمحاسبات على نسبة الإهدار الناتجة عن عدم تحصيل ما يوازى ما أطلقته الوزارة من الطاقة الكهربية، فإنها تطالب بإدخال نظام العداد الكودي… مع احتفاظها بحق رفع العداد في حالة إزالة العقار، وأن هذا لا يعنى تقنين الوضع»، وقد وافق مجلس الوزراء على المذكرة في 14 فبرار 2011 ومنذ ذلك التاريخ فإن كل المبانى المخالفة اصبح لها الحق في المرافق وتحديدًا الكهرباء مما زاد من أزمة البناء المخالف نظرًا لسهولة بيع الوحدات المخالفة أو إيجارها وتحقيق مكاسب.

أما الضلع الثالث والأهم فيما يتعلق بالبناء المخالف هو الفساد الإدارى الذي ضرب المحليات حتى وصل «للركب»، مما اتاح للمقاول وصاحب العقار الإفلات من العقاب والبناء دون أزمات، ففى مصر فقط صنعت القوانين لمخالفتها وإيجاد ثغرات قانونية في القانون أو لائحته التنفيذية للنفاذ منها وهو ما جرى مع قانون 119 لسنة 2008 المعروف بقانون البناء الموحد
طرق التحايل معروفة لدى أغلب المقاولين، وتختلف باختلاف المحافظة، نظرًا لاعتماد كل محافظة قراراتها الخاصة، فبعض المحافظات تتيح التصالح على المخالفات الأمنة انشائيًا شريطة شهادة السلامة الانشائية، وهى شهادة لا تتطلب سوى توقيع مهندس على أن المبنى الواقع في العنوان... آمن وسليم من الناحية الإنشائية ويتم ختمها من نقابة المهندسين بعد دفع الرسوم، وهناك من المهندسين من يتخصص فقط في إصدار هذه الشهادات عن طريق سماسرة، وبموجب هذه الشهادة فإنه يمكن التصالح في المحافظات التي تتيح التصالح مثل الإسكندرية التي بدأت فيها سياسة التصالح مع المبانى المخالفة منذ عهد المحافظ الأسبق عبد السلام المحجوب، ولذلك فأنها تقع في المركز الأول من حيث المبانى المخالفة طبقًا لتقرير جهاز التفتيش على سلامة المباني.

أما الطريقة الثانية فهى طريقة المالك «الكاحول» وهو أن يتم تسجيل الرخصة باسم شخص آخر، وهى طريقة انتشرت لفترة في مصر حيث كان يتم وضع أسماء وبيانات أشخاص أخرين بالاتفاق معهم بمقابل، أو دون علمهم بسرقة البيانات، وترجع أهمية تلك الطريقة في انها تحمى من المساءلة في حالة انهيار المبنى أو فرض غرامة على المالك.

أما الطريقة الثالثة فهى الطريقة التي لا بد أن تمر فيها بمهندس الحى الذي يضع اسمًا وهميًا في المحضر الذي يحرره ضد العقار المخالف، وهو ما يتشابه مع الكاحول إلا أن الأمر هنا لا يستدعى أن تكون البيانات حقيقية، وكسابقتها تحمى هذه الطريقة من المساءلة القانونية وتستخدم في المحافظات التي لا تتيح التصالح في مخالفات البناء.

أما الطريقة الرابعة والأخيرة فهى «الركن» حيث يحرر المهندس المحضر إلا أنه لا يقوم بتحريكه للجهات المعنية، لضمان اطول فترة ممكنة لتسكين العقار قبل تحريك المخالفة، مما يمنع أي محاولات للازالة، إلا أن تلك الطريقة لا تحمى من الغرامة أو الحبس طبقًا لقانون البناء ويبقى المسلسل مستمرًا ولاتستيقظ الحكومة أو تنتفض إلا على سقوط عمارة مخالفة أو منزل مخالف على رءوس قاطنيه.
الجريدة الرسمية