رئيس التحرير
عصام كامل

«أفلام الستينيات وما أدراك ما الستينيات».. عزت العلايلي وصلاح ذو الفقار وحسين فهمي أشهر المتورطين.. ناهد شريف وناهد يسري أبرز نجماتها.. و«العري سيد المواقف»


«قصة واللا مناظر؟» جملة شهيرة ظهرت في فيلم «اغتصاب» بطولة النجم فاروق الفيشاوي وهدى رمزي على لسان النجم «نجاح الموجي» أمام إحدى دور السينما، التي تبدأ عندها أحداث الفيلم كله؛ حيث يفشل الأصدقاء الثلاثة في الحصول على تذاكر فيلم تظهر في إعلاناته بطلة عارية، وبعد فشلهم وتناولهم منشطات استعدادا لهذا الفيلم، تبدأ قصة مطاردة البطلة «هدى رمزي» لاغتصابها، لينتهي الفيلم بقتل الثلاثة بعضهم البعض بعد قيام فاروق الفيشاوي بالدفاع عن الفتاة الشريفة.


قصة «اغتصاب» كانت تصويرًا لحال دور السينما المصرية بعد إغراقها بالأفلام اللبنانية المصرية المشتركة، أو الأفلام اللبنانية إنتاجا والمصرية تمثيلًا، التي انتشرت في مصر أواخر الستينيات وبداية السبعينيات، بعد اتجاه المنتجين المصريين إلى لبنان عقب قرار الرئيس جمال عبد الناصر بتأميم السينما المصرية؛ لتبدأ فترة من أكثر فترات السينما اللبنانية غزارة في الإنتاج قبيل الحرب الأهلية اللبنانية.

القصة بدأت عام 1962 بعد إعلان الرئيس جمال عبد الناصر تأميم صناعة السينما؛ حيث اتجه المنتجون المصريون إلى لبنان التي كانت تنتج في هذه الفترة 6 أفلام في العام، وهو رقم ضئيل مقارنة بإنتاج السينما المصرية في ذلك التوقيت، ولكن هذا الرقم يتناسب ديموغرافيًا مع عدد دور السينما اللبنانية، وكذلك حجم الجمهور اللبناني المتمركز في العاصمة بيروت.

ورغم الإنتاج الضئيل للسينما اللبنانية في تلك الفترة، إلا أن النشاط السينمائي كان في أوجه؛ اعتمادًا على الموزعين اللبنانيين الذين اعتمدت عليهم السينما المصرية لفترات طويلة.

ومع تأميم شركات الإنتاج المصرية تحول الموزعون اللبنانيون إلى منتجين بالشراكة مع شركات الإنتاج المصرية، وساعد في ازدهار هذا النشاط أسبقية تجربة الفنانة اللبنانية صباح التي بدأت في إنتاج أفلام لبنانية مصرية مشتركة بعد منعها من دخول مصر في عهد عبد الناصر من خلال شركتها الصباح، وكان من أهم أعمال تلك الشركة فيلم «نار الشوق»، وزادت الأزمة بعد نكسة 1967؛ حيث توقفت صناعة السينما المصرية تقريبًا، ما أدى إلى هجرة أغلب النجوم إلى استديوهات لبنان وتركيا.

ورغم انتشار الثقافة المحافظة في جنوب لبنان، إلا أن السينما اللبنانية تأثرت في مجملها بنمط الحياة في بيروت المتأثرة بطبيعة الحال بالعواصم الأوربية، جاءت الأفلام اللبنانية المصرية مختلفة كليًا عن السوق المصرية في ذلك الوقت؛ حيث اتسمت السينما بمشاهد الإغراء والعري المبالغ فيه، الأمر الذي شكل صدمة للمجتمع المصري وشكل بعضها أزمة سياسية.

ومن النجوم المصريين الذين اشتهروا بهذه النوعية من الأفلام ناهد شريف وناهد يسري؛ حيث تصنف أفلامهما اللبنانية على أنها للكبار فقط، وبعضها يصنف على أنها أفلام «بورنو»، وشارك معهم كل من حسين فهمي وعزت العلايلي وصلاح ذو الفقار.

وكان فيلم «سيدة الأقمار السوداء» للفنانة ناهد يسري من أبرز أفلام تلك الفترة، ولم يعرض الفيلم في دور العرض السينمائي في مصر لاعتراض الجهاز الرقابي عليه لفرط تجاوزه وما يحتويه من مشاهد جنسية صارخة تثير الغرائز لا تتناسب مع طبيعة المجتمع المصري، وتم تهريبه في شرائط فيديو كاسيت، وأطلق على شاشات السينمات اللبنانية في مايو 1972 وأصرت دائرة مراقبة المطبوعات والتسجيلات الفنية على حصر مشاهدته في الكبار فقط، ما زاد زخمه التجاري ولم يحل قرار المراقبة دون تسلل أعداد وفيرة من المراهقين إلى دور العرض لمتابعة مأساة البطلة، وعطشها إلى الجنس مع حبيبها الذي أدى دوره حسين فهمي، خاصة تلك المشاهد التي ظهرت فيها البطلة عارية تماما.

وبسبب ضجة الفيلم شكل الرئيس الأسبق أنور السادات، لجنة من نقابة الاتحادات الفنية ضمت كمال الشيخ، وعبد العزيز فهمي، وتحية كاريوكا للتأكد من إبراء ساحة الفنانين المصريين من هذه المشاهد، وانتهت اللجنة بعد مشاهدتها الفيلمين إلى أن هناك «تروكاج» أي حيل في التصوير، لم يكن الممثلون المصريون فيها عرايا، وإنما أضيفت لقطات لهم وبُرئت ساحة الممثلين المصريين، إلا أن مخرج الفيلم سمير خوري عاد مؤخرًا وأكد أن المشاهد المذكورة تم تصويرها بإرادة الممثلين وتقاضوا الأجور التي طلبوها عنها.

ولنفس المخرج وفنانة أخرى هي الفنانة ناهد شريف أيضا يأتي فيلم «ذئاب لا تأكل اللحم» الذي ألفه وأخرجه خوري، وظهرت فيه ناهد شريف عارية، وتم تصويره في الكويت بتمويل لبناني إلا أنه منع من العرض في مصر.

وللفنانة ناهد يسري فيلم «ملكة الحب» و«امرأة من نار» الممنوعان من العرض في مصر أيضا كأشهر الأفلام الساخنة والمرفوضة رقابيا وأخلاقيًا.

وتسببت هذه النوعية من الأفلام في انتقال عدوى الأفلام الساخنة لمصر؛ حيث يأتي للفنانة ناهد شريف التي توفيت في أوائل الثمانينيات متأثرة بسرطان الثدي فيلم «عريس الهنا» مع محمد عوض ولبلبة، الذي شهد مشهد علاقة تامة بين محمد عوض وناهد شريف وظهرت فيه عارية من نصفها العلوي، وقد انتشرت عدة أفلام احتوت على مشاهد مشابهة، مثل «الشياطين في إجازة» «ممنوع في ليلة الدخلة» وغيرها من الأفلام التي شكلت أزمة في دور العرض المصرية، وكان من أهم نجوم تلك الفترة الفنانة المعتزلة «شمس البارودي» التي خصصت دور سينما الدرجة الثالثة برنامجا خاصًا لأفلامها، وكذلك الفنانة المعتزلة «سهير رمزي».

إلا أن هذه النوعية بدأت في الاندثار بداية من الثمانينيات مع تصاعد سيطرة التيار الديني على الساحة المصرية، إضافة إلى اعتزال أغلب نجمات هذه النوعية من الأفلام، حيث توفيت الفنانة «ناهد شريف» وأصيبت الفنانة «ناهد يسري» في حادث سيارة في لبنان، سبب لها تشوهات في وجهها دفعها للاعتزال، فيما اعتزلت «شمس البارودي» وارتدت النقاب أثناء موجة حجاب الفنانات التي اجتاحت الثمانينيات.

ولم يتورط الممثلون المصريون فقط في هذه النوعية من الأفلام، بل هناك أفلام أخرى تعد أفلام «جنس صريح» تسللت إلى مصر من لبنان، ويعد أشهرها فيلم «عنتر في بلاد الروم» وهو من الأفلام التي ضمت الكثير من المشاهد الجنسية، وتضمن تشويها واضحا لقصة عنترة بن شداد.

ترى الناقدة الفنية ماجدة خير الله، أن فترة ما بعد نكسة 1967 كانت الأسوأ في تاريخ الفنانين المصريين؛ حيث توقفت السينما المصرية تماما، وهو ما هدد مستقبل بعضهم مثل الفنانة «ناهد شريف» التي كانت قد استطاعت بأعجوبة نحت موقع قدم لها في استديوهات مصر، وذاكرة الجمهور، وتحت تأثير حاجات الحياة خاصة أن أغلب النجوم الذين اتجهوا إلى السينما اللبنانية والتركية في تلك الفترة لم يكن لهم رصيد طويل في الفن أو البنوك يستطيعون الاعتماد عليه، فقد وجدوا ضالتهم في السينما اللبنانية المختلفة كليا عن السينما المصرية، التي اتسمت بجودة أقل بكثير عن المصرية في تلك الفترة، إلا أنها تميزت بجرأة أكبر تم استغلالها أسوأ استغلال من الموزعين وأصحاب دور السينما، ولا شك أنها أسست لحالة من القبح الفني تطورت وأخذت أبعادًا كثيرة مع الوقت.. فالحرة تموت ولا تأكل بثدييها.
الجريدة الرسمية