رئيس التحرير
عصام كامل

أفراح ودموع


أشعر كأن كل شيء قد انقسم نصفين، وأصبح له وجهان متنافران، أشعر كأننا ننظر بعينين، عين ترى ما لا تحب، وثانية لا ترى ما تحب، ونتحدث بلغتين، لغة خوف من الأقوى ولغة تبجح مع الأضعف، ونعاني علتين، كبتًا لا يولد انفجارًا، وصبرًا يعود الانكسار، ونسير في اتجاهين، نسير للخلف فعلًا، ونتطلع للمستقبل قولًا، ونموت مرتين، مرة عندما تستعبدنا الاحتياجات ونستأنس القهر الذي يحيلنا إلى نماذج بشرية غير قابلة للانفجار، وأخرى عندما نستصرخ ضمائر من بيدهم أمرنا ولا حياة لمن تنادي، ونمارس فعلين، فعلًا نظهر به حرصنا دائما على المستقبل وفعل يفرض علينا الاحتكام للماضي كمنجم نفتش فيه عن حلول سحرية لكل قضايانا.


نرتاح لتناقضين، نشرب من النيل ونلوثه، ننقد الجهل ونمارسه، ننادي بالتغيير ولا نتغير، نريد الحوار ولا يسمع بعضنا البعض حتى ملأنا الدنيا صراخا دون أن يسمع أو يفهم أحد، وتحكمنا سياستان، سياسة معلنة صالحة للاستهلاك الإعلامي وغير قابلة للهضم، وسياسة غير معلنة لا تتفاعل معنا ومع قضايانا وتوجه في غير صالحنا وتقتل فينا الولاء لهذا الوطن ونضحك ضحكتين، ضحكة صفراء خبيثة نرسمها باستمرار على وجوهنا لنستطيع التواصل مع بعضنا البعض، وضحكة خضراء صافية من القلب، تولد وتموت في لحظات، وتنقسم أسئلتنا إلى نمطين، أسئلة لا يصح الإجابة عنها وإضاعة الوقت فيها والالتفات لها، وأسئلة تحتاج في إجابتها لمجلدات، وكثيرًا ما تطرح ببساطة في معظم وسائل الإعلام دون معرفة بأبعادها وجوانبها، ونرتضي واقعين مشتبكين، واقعا تسير فيه عربات الكارو في المقدمة وتمنع وراءها عشرات السيارات الشاهدة على ما وصل إليه العالم من تقدم علمي، وواقعا آخر يكون على رأس السلطة فيه مدعون مصابون بالجفاف الفكري، ورغم ذلك مسلطة عليهم الأضواء ويتوارى خلفهم مثقفون حقيقيون تكاثرت عليهم فيروسات اليأس والهم من قسوة الفقر ومرارة الانتظار وغياب العدالة وفساد مناخ أدى لوجود هؤلاء مدى الحياة في الظل.

ونظهر دوما بضميرين، ضمير يقظ يرفض تجاوزات الآخرين ومخالفاتهم ويعتبرها انتهاكًا للدين والقيم والأعراف الاجتماعية، وضمير مهادن طيب متسامح يرى أخطاء الذات مقبولة ومستساغة ويوفر لها المبررات الكافية لتكرارها، وعندما تتوفر فينا كل هذه التناقضات وتصبح الاختلافات فينا هي القاعدة، فلا غرابة في أن نكون أكثر شعوب الأرض جهلا بمن هو الثائر؟ ومن البلطجي؟ إن غرقنا في متاهة التناقضات جعلنا نتعودها ولا ندرك خطورتها، صرنا نفعل شيئًا ونقول شيئًا آخر، وفقدنا الثوابت، لم يعد الهدف الذي نريده هو ما نسعى إليه، وكل ما فينا وحولنا أصبح ذا وجهين، حقيقي ومصطنع، فأيهما نختار، وأيهما ندع؟ إنها التوهة.
الجريدة الرسمية