رئيس التحرير
عصام كامل

جتنا نيلة في حظنا الهباب!


كثيرون من الطيبين في هذا البلد كلما تحدثوا معي في أي شيء يقولون لي: «لا مؤاخذة»، خاصة عندما يستشعرون أنهم لا مؤاخذة لا يفهمون أي شيء مما يحدث حولهم، قال لي أحدهم ذات مرة: «ألم تقم في مصر ثورتان لا مؤاخذة الأولى في 25 يناير 2011 والثانية في 30 يونيو 2013؟»، قلت له: «بلى قامت في مصر ثورتان»، قال: «وماذا استفدنا منهما غير لا مؤاخذة ست حكومات حكومة تنطح حكومة وشعب يأكل بعضه ووعود لا أول لها ولا آخر بالعز والوز والرخاء والنعيم والذي منه والنتيجة المزيد من الفقر والضنك والفساد وعدم احترام الصغير للكبير وغرق مصر من أقصاها إلى أقصاها في الثرثرة والجدل والمكلمات التي لا طائل من ورائها سوى التشتت»..


قلت: تفاءل يا رجل تحمل اصمد اصبر، تسلح بما سبق أن قاله لنا السلف: «الصبر جميل، الصبر مفتاح الفرج، اصبر تنول، من شاف بلاوي الناس هانت عليه بلوته وهنيالك يا صابر».. قاطعني: «قلت صابر؟!.. لا أنا اسمي لا مؤاخذة سوسن»، وعندما لاحظ على وجهي أمارات الاندهاش واصل قائلًا: «لماذا استغربت اسمي؟.. ألم تسمع أغنية سعاد حسني البنت زي الولد؟.. وما الفرق بين صابر وسوسن؟.. كله عند المصريين ثورة»

قلت: «يا أخي، الثورة خلعت مبارك وعزلت محمد مرسي».. فبادرني: «وأتت بشفيق وشرف والجنزوري وقنديل والببلاوي وختامها لا مؤاخذة محلب»، قلت متحفزًا: «أظن كله إلا محلب يا عم الحاج، لا مؤاخذة رجل ابن شغل بصحيح وإنجازاته شهد بها القاصي والداني، لذلك رشحه الرئيس السابق المستشار عدلي منصور كي يكون رئيسًا جديدًا للوزراء ثم اختاره الرئيس السيسي مرة أخرى ».

قاطعني: «بمنتهى الأمانة، قرأت وسمعت عن هذه الإنجازات في وسائل الإعلام فقط بينما لم ينُبن منها ولو قطعة أرض أبنيها لأولادي ولا شقة تنقذنا من درب حكورة الذي نسكن فيه أو محل نرتزق منه أو قبر ندفن فيه، لكن ماذا نقول؟!.. ناس لها مجلس الوزراء وناس تقضي عمرها تفتش عن مكان تستظل به من مرارة الحاجة والعوز فلا تجد، أقسم لك أنا وأنت من نصيبنا الفرجة واللهث وراء تكهنات المحللين واستنتاجاتهم»..

قلت: «أرجوك لا تلقِ بي فريسة للتشاؤم وأثلج صدري بإجابة قاطعة عن السؤال التالي: هل سينجح محلب فيما سبق أن فشل فيه رؤساء الوزراء السابقون؟.. أجابني بشكل قاطع: «كلهم شركاء في الهم والعجز وكلهم محدودو الصلاحيات وكلهم يتحركون بوصفهم سكرتاريا لرئيس الجمهورية وكلهم ليست في يدهم عصا سحرية ستنقذ المصريين من حياتهم البائسة وتدفع بهم للرفاهية والرغد والنعيم، صدقني الفرق بين محلب ومن قبله هو في الاسم وفي الفترة الزمنية التي تولى فيها كل منهم مقاليد الحكومة وفي طريقة الكلام وفي درجة انحياز الإعلام وفي أمور أخرى لا أظنها سوف تقدم أو تؤخر، لقد قامت ثورتان دفعنا فيهما أثمانًا باهظة وذقنا من أجل إنجاحهما الأمرين وبدلًا من أن ننهض ونرتفع سقطنا لا مؤاخذة.

قامت ثورتان والفساد يتنامى والرشوة والمحسوبية وقلة الذمة الوطنية هي الناطق الرسمي باسم المنظومة الإدارية والسياسية في مصر لا مؤاخذة، قامت ثورتان والأموال المهربة لا تزال مهربة والمجرمون يحاكمون بالاسم، بينما هم أحرار طلقاء يعيثون في الأرض فسادًا بالفعل، والقضية ليست في أن تمضي حكومة وتأتي حكومة وفي ذهاب هذا الوزير ومجيء ذاك، القضية في أن الثورتين لم تصلا إلى الآن لمن قبل تسلم زمام الأمور في الدولة».. قلت له والحزن يعتصرني: «إذن يا ثورة ما تمت وجتنا نيلة في حظنا الهباب لا مؤاخذة ».
الجريدة الرسمية