رئيس التحرير
عصام كامل

الكدابين على الشيزلونج


قبل اكتشاف الطب النفسى بمئات السنين حذر نبى الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم من استمراء الكذب قائلا.. «وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ، وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا»، وحين سئل صلوات الله وسلامه عليه «هل يكون المؤمن كذابا قال لا».


ومع نجاح العلماء في وضع الأسس العلمية للطب النفسى نجح الأطباء في رصد أسباب ظاهرة الكذب والدوافع النفسية لها لدى الكبار والصغار على السواء، فقد أكد الدكتور خضر حسن صاحب كتاب «سيكولوجية الكذب» أن الكذب في حياة البعض كالماء والهواء، فهناك من يكذب حتى في حالة عندما يقول لزميله.. صباح الخير، حيث إن هناك من يشكل الكذب جزءًا من سيكولوجيته الداخلية، بحيث لا تستوى نفسه إلا إذا كذب.

وفى وصفه للكاذب يقول: «الكاذب مهما كانت قيمته في الحياة فهو في أصله إنسان مهزوز ومهزوم ولا يثق بنفسه ولا يثق بالآخرين ولا يثقون به، قادر على التلون ولا يستطيع المواجهة، وهو يعتقد أنه غير مكشوف لأنه يصنف نفسه في صنف الرجال الذين يملكون قدرات غير عادية، ويستطيعون خداع الآخرين بتمثيل الحكمة والاتزان».

وأشار إلى أن الكذب فعل مزمن‏، ينطوى على آثار سلبية على الصحة العامة، مثل اضطرابات النوم‏، وسرعة الانفعال‏، والقلق‏، وآلام الرأس‏، ‏ وغيرها من الآثار السلبية الناجمة عن هذا الشعور‏.‏
والإنسان الكاذب ــ وفقا لتحليل خضر ــ يحتاج لكى يغطى كذبه إلى قدرات نفسية وانفعالية كى يتحكم بمشاعره وبتعابير وجهه وتصرفاته وتكييفها حسب الوضع الذي يخلقه عندما يكذب، وهذه القدرات اللازمة للكذب يجب أن يرافقها استعداد الشخص أخلاقيًا واجتماعيًا وتربويًا للكذب.

وبشكل عام فإن الضعيف ذا القدرات المحدودة يكون لديه دوافع أكثر للكذب، بعكس القوى الذي يملك الكثير من القدرات فتكون دوافعه غالبًا للكذب أقل.
وتختلف وتتعدد الدوافع السيكولوجية للكذب فقد يكون كذبًا عدوانيًا يمارسه الفرد لتأكيد قدراته على الإيقاع بالآخرين والنيل منهم، حيث يتبنى الفرد أعذارًا غير حقيقية أو مبالغ فيها ليواصل سلبيته عندما يطلب منه عمل ما، وهو شبيه بالكذب الكيدى الذي يلجأ إليه الفرد لمضايقة من حوله نتيجة مشاعر الغيرة أو إحساسه بالظلم والتفرقة.

وكشف الكاتب 10 معلومات مهمة بكتابة للتعرف على اكتشاف الكذاب والخداع، والتي يعتمد على استنتاجات عن طريق دلائل معينة لكشف الكذب، وهى:
التناقضات: وهى أول ما يجذبك في حديث الشخص ويؤكد لك أنه كاذب هو قوله المتناقض، فكلما كانت القصة غير منطقية كلما أيقنت أنها كاذبة.

والسؤال غير المتوقع: وهى تمثل نسبة بسيطة من الكاذبين وهم الذين يتميزون في البراعة في الكذب، لذا عليكِ ألا تنتظر الردود الكاذبة منهم، وأفضل طريقة للترصد بهم هو مفاجأتهم بسؤال غير متوقع وغير مستعد للإجابة عنه.
الوقوف على خط أساس: إن أهم مؤشرات الكذب هي التغيرات في الملامح والسلوك، وإذا أردت جذب انتباه شخص مثير للقلق، يجب أن تبدو هادئًا، أي اتباع أسلوب الحيلة، لأنها قياس لسلوك الشخص الكذاب على خط أساس، لأن سلوكه دائمًا بعيد عن التصرف الطبيعى الذي يجب أن يكون عليه الناس، وهذا يعنى أن ثمة شيء ما ينم عنه الحديث.

تعارض المشاعر الظاهرة: معظم الناس لا يستطيعون تزييف الابتسامة، لأن توقيت الابتسامة لا تلائم الحدث أو تكون مخلوطة بأمور أخرى، أو خليط بين وجه باسم ووجه غاضب، لأن الشفاه تكشف ذلك، مؤكدًا أن الابتسامة الصادقة لا ترتبط بحجم الشفاه القليل وغير الممتلئ، ولا شك أن المشاعر المزيفة دليل جيد لوجود شيء متعارض.

اهتمامًا لردود الأفعال: الناس يقولون إن الحدس قد يكشف الكذب والانحرافات المتعلقة بالعواطف، فالشخص العادى قد يعرف أحيانًا الشخص المزيف الكذاب، وسيكون قادرًا على التحديد بدقة، والعواطف المزيفة هي مؤشر جيد للاكتشاف.
كلمات تحمل أكثر من معنى: إن الكذاب يمكن فضحه من خلال تعبير يحمل أكثر من معنى، وهو غالبًا ما يكون تعبيرا مختصرا جدا، يأخذ أقل من دقيقة وهو مخفٍ وراء العواطف، ومن هذه التعبيرات أن يبدو على الشخص السعادة ولكنه في الحقيقة يشعر بالضيق. فيمكن على سبيل المثال، اكتشاف صاحب العاطفة الحقيقية من تعبيرات وجهه بما يكنه في اللاشعور، ولكن إذا كان يريد إخفاء شيء وراء العواطف كالخوف، والغضب، والسعادة، أو الغيرة، فهذا الشعور من السهل أن يظهر برمشة عين، وبالتالى عليك أن ترى وتفهم ذلك.

البحث عن التناقضات: القاعدة العامة هي أن أي شيء صادر عن الشخص كلفتاته وصوته يكشف عن ما إذا كان صادقا أو كاذبا. فعلى سبيل المثال، صاحب الصوت المندهش الذي يكذب مجيبًا على أي سؤال بنعم قد يصدر عنه لفتة تناقض تمامًا ما يبحث عنه في القول أو الفعل، وهذه التناقضات على علاقة بين الصوت والكلمات والإشارة كل هذه التناقضات من جوانب السلوك التي قد تتعارض لدى البعض وتكتشف بسهولة.

شعور غير مريح: إذا كان هناك أحد الأشخاص لا يستخدم العين كلغة للتواصل بطريقة طبيعية فهذا يعنى أنه إنسان غير صريح، لأنهم يتطلعون بعيدًا، ويتعرقون، ونظراتهم غير طبيعية تتسم بالاضطراب.. كل تصرفاتهم غير طبيعية وتدل على القلق.

تفاصيل أكثر من اللازم: عندما تقول لأحد الكذابين أين كنت ؟ فيرد قائلًا: ذهبت إلى المتجر، حيث كنت بحاجة إلى البيض والحليب والسكر، واضطررت إلى التباطؤ بسبب أشياء غير مقنعة، وتجد نفسك أمام تفاصيل أنتِ في غنى عنها، وهذا يعنى أنه قام بالتفكير بصورة كبيرة للخروج من مأزق ما وقام بصياغة أمور معقدة لتصل إلى هدفها بتضليل الكذبة.

لا تتجاهل الحقيقة: مهم أن نكتشف من يقول الحقيقة أكثر ممن يقول الكذب لأن الناس بوجه عام يقولون الحقيقة ولكنهم في الوقت نفسه قد يكذبون، وهذا الأمر قد يبدو مربكًا، لذا فأنتِ تحتاج أحيانا لإيجاد الحقيقة المدفونة تحت الكذبة، الأمر الذي قد يساعدك على التفريق بين الكذب والصدق.
وأوضحت إحدى الدراسات التي تمت بقسم علم النفس جامعة عين شمس أن الكذب في الاصطلاح هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه سواء كان عمدًا أو خطأ.

إن الكذب يختلف من عمر شخص لآخر فالأطفال يختلفون عن الكبار فالأطفال عادة يكذبون للتهرب من المسئولية، أو تجنبا للعقاب، أو للحصول على العطف والمحبة من الكبار، أو طمعًا بتحقيق أمر آخر، وقد يميل الطفل إلى الزهو ولفت الأنظار فلا يجد غير الكذب، أو يقلد والديه، فقد يكذب الأهل آمام أطفالهم على غير قصد.

والكذب عند الأطفال يتأثر بأمرين: طلاقة اللسان، والمهارة في عرض الحجج وخصوبة الخيال، التي تصل أحيانا إلى حد الأساطير الخارقة، وبالنسبة للطفل لا يجب أن يفهم كذبهم بنفس المستوى والمفهوم اللذين يعرفان عند البالغين، فقد يكون الكذب عند الأطفال وسيلة من وسائل بناء الذات.

ويشمل الكذب عند المراهقين مرحلة مختلفة وأكثر خطورة لأن المراهقين يفعل ذلك عن وعى وإدراك كامل للعواقب وتكمن خطورة هذه العواقب عندما يتعلق الأمر بالواجبات المدرسية والخروج من المنزل وقيادة السيارة دون رخصة والتدخين والمخضرات والعلاقات الجنسية، فإذا اكتشفت أن ابنك المراهق يكذب فحاول ألا تفقد أعصابك وبادر بالحديث إلى ابنك عما يحدث في حياته.

وعلاج الكذب عند المراهقين يجب أن يكون الآباء خير مثل يحتذى به الطفل فيقولون الصدق ويعملون معه بمقتضاه حتى يصبحوا قدوة صالحة للأبناء، عدم عقاب المراهق على كل خطأ يرتكبه مثل تأخر عودة من المدرسة أو زيارة لصديق دون إذن فإنه سيضطر للكذب هروبا من العقاب، أن يكون للأهل دور في اختيار أصدقاء الأبناء من خلال معرفتهم بأهلهم، فصديق السوء قد يدفع بصاحبه ليس للكذب فقط إنما إلى تصرفات كثيرة مرفوضة.. وانتهت دراسات علماء النفس إلى أن الكاذبين في السن الكبيرة هم الذين تعودوا الكذب في الصغر ولم يجدوا موجهًا ولا معلمًا ومربيًا يأخذ بأيديهم.
الجريدة الرسمية