رئيس التحرير
عصام كامل

سيد قطب يرفع شعار «العري هو الحل»


«الشواطئ الميتة» هو عنوان مقال كتبه منظر جماعة الإخوان الإرهابية سيد قطب، عام 1938، وتضمن دعوة صريحة منه للسماح لمرتادي الشواطئ بالمصايف بارتداء الملابس العارية زاعما انها ليست مثيرة للفتن ولا تثير إلا الإعجاب الفنى فقط وهو ما اثار جدلا واسعا بين الباحثين والمؤرخين وبقى وصمة في تراثه المكتوب.


في 10 يوليو عام 1938 نشر سيد قطب مقالا بصحيفة الأهرام بعنوان «خواطر المصيف.. الشواطئ الميتة» دافع فيه عن زى المصيفين العارى قائلا: «إن الذين يتصورون العرى على الشاطئ في صورته البشعة الحيوانية المختلفة واهمون، وهم لم يذهبوا إلى الشاطئ، ولكن قرروا أو رأوا الصور منشورة في الصحف، أو ذهبوا وفى نيتهم أن ينتقدوا، فعاشوا في الصورة الخيالية المشوهة في أذهانهم، ولم يعيشوا على الشاطئ والأمواج.»

وتابع: «في الجسم العاري على البلاج فتنة لمن يشاهده ويراه في متناول عينه كل لحظة، وفتن الأجسام هناك، وهي المنتشرة في «البرنس أو الفستان»، أما «المايوه» فهو لا يجذب ولا يثير، وإن أثار شيئا فهو الإعجاب الفني البعيد بقدر ما يستطاع عن النظرة المخوفة المرهوبة».

وأضاف في مقاله: «لقد كنت أحسبني وحدي في هذه الخلة، ولكنى صادفت الكثيرين، ممن لم يوهبوا طبيعة فنية، ولا موهبة شعرية فلاحظت أن الأجسام تمر بهم عارية فلا تثير كثيرا من انتباههم، بينما تتسع الحدقات وتتلفت الأعناق إذا خطرت فتاة مستترة تخفى الكثير وتظهر القليل، وحدثتهم في ذلك فصدقوا رأيي، فالذين يدعون إلى إطالة لباس البحر، وإلى ستر الأجسام بالبرنس، إنما يدعون في الواقع إلى إثارة الفتنة النائمة وإيقاظ الشهوات الهادئة، وهم يحسبون أنهم مصلحون».

ويمضي منظر الإخوان قائلا: «صورة واحدة عارية مما ينشر في الصحف أفتن من شاطئ كامل يموج بالعاريات، لأن الصورة المصغرة تثير الخيال الذي يأخذ في تكبيرها والتطلع إلى ما ورائها من حقيقة، وهذا هو الخطر، أما الجسم العاري فواضح مكشوف، وصعب على الكثيرين تصديق هذه الحقيقة، أما الذين ذهبوا إلى الشاطئ وهم مجردون من الرأي السابق فيها، ومن التحفز لمرائيها، فيعلمون في ذات أنفسهم صدق ما أقول».

جاءت دعوة قطب الصريحة للسماح بالملابس العارية في الشواطئ واضحة عندما قال: «أطلقوا الشواطئ عارية لاعبة، أيها المصلحون الغيورون على الأخلاق، فذلك خير ضمان لتهدئة الشهوات الجامحة، وخير ضمان للأخلاق».

الباحث الإخوانى محمود عبد الحليم تطرق لمقالات قطب الداعية للعري في مذكراته عن الجماعة التي حملت اسم « الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ»، وأكد خلال مذكراته أن قطب دعا صراحة إلى العري التام وأن يعيش الناس عرايا كما ولدتهم أمهاتهم، مؤكدا أنه كتب مقالا للرد عليه ولكن مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا رفض الموافقة على نشره وقال أن الصمت وعدم الرد على ما كتبه قطب هو خير عقاب على فعلته.

كانت الموضوعات ذات الصلة بالعرى وما شابهه سيطرت على أفكار قطب عقب عودته من أمريكا فلم يكن الشواطئ الميتة هو مقاله الوحيد بهذا الطريق ولكن له مقال آخر بمجلة الفكر الجديد سطره عام 1948 تحت عنوان «أفخاذ ونهود» ولكنه في هذه المرة تحدث عن مدى خطورة العرى التي يقدمه الغرب للمسلمين وهو ما يمثل خطورة شديدة عليهم لا تقارن بخطورة تعاطى المخدرات ذاتها.

ولكن بنظرة أعمق يقطع الباحث محمود الشهاوى بأن كتابات قطب تعكس هوسه بالجنس، مستدلا بما كتب من «شِعْرٍ» حتى أنه وصفه بأنه كان عبدا للثغر المُلْهِم، خُصُوصًا إذا كانت قبلةً وصْوصَتْ في الفمِ، حسب تعبيره الفجِّ الخالى من الشِّعْرِ، مضيفا أن قطب رجلٌ ماتتْ أمنياتُهُ، ولا يريدُ أن يُخدعَ ثانيةً من نساء أو حتَّى من التمنِّى نفسه «ماتتْ مُناى جميعها فلماذا يخدعُنِى التمنِّى؟»
«لم تصْفُ كأسُ حياتنا يومًا ولا لذَّ الشراب»، هكذا يصفُ سيد قطب حياته مع إحدى نسائه الحقيقيات أو المُتوهمات، خُصُوصًا أنه كان سريعَ الشكِّ فيمن يُغرَمُ بهن، إذْ تحوَّل الهوى سوطًا يلهبُ ظهره «وإذا السَّوطُ هوًى يلهبُ ظهرى»، لأنَّهُ كان يتصوَّرُ كشعراء جيله أنَّ «الحياة هوًى يرفُّ وفتنةٌ وشجًى دفينْ» وكان يتوقُ إلى «القُبل المليحة في الشِّفاه» ولأنَّ «الحياة الحبُّ والحبُّ العذابْ» حسبما يكتبُ، فلم يعشْ سيد قطب حياةً شعريةً كأقرانِهِ، ولم تدُم له معشُوقةٌ. بعض من أبناء جيله يُلمِحُ إلى أنه لم يكُنْ بالرجلِ الجذَّابِ أو صاحبِ الوجه أو البنيان الجسديِّ الذي يلفتُ انتباه «نساء الطبقة العليا» أو نساء من أي طبقةٍ «اللواتى يُحببن الشِّعرَ، ويرتبطن عشقًا بشعراء ذلك الزمان».

من شعره نعرفُ أن حبه كان عقيمًا «تنشدُ السُّلوانَ من حُبٍّ عقيم»، فهو مكدُودٌ ألقى إلى الأرضِ عصَاه، مُجهدٌ سكنتْ في الأرضِ خُطاه «آنَ أنْ يصمتَ لا تهتف شوقا شفتاه».

تمنَّى أن يعيشَ سيد قُطب كما يعيشُ الشُّعراء في زمانِهِ، لهم أسماؤُهم وتجاربُهم وكتبُهم المتتاليةُ في الصُّدورِ، والتي هي محلُّ نقدٍ وكتابةٍ وتحليلٍ ومتابعةٍ من كبار العصر وقتذاك، ولهن محبُوباتٌ ومعشُوقاتٌ مُلهِمَاتٌ، فحلم حياته «كُلَّما تلمسُ كفِّى يدها تلمسُ النشوةُ قلبى وفمِى»، ولما لم يجد تحقُّقًا في كُلِّ ذلك، كان عليه أن يترَك «القُبل» التي لم تُشبعه أو تملأه أو تُغنِى رُوحَه، وأن يذهبَ إلى «القنابل»، التي صنعَها، وروَّجَ لها، وعمَّمَها، وذاعَ أمرُها بين الناس، وكانت سببًا رئيسيًّا خلال نصف القرن على الأقلِّ في التشدُّد والتكفير، الذي تمارسُهُ جماعاتُ الإسلام السياسي التي خرجتْ من جيبِ سيد قطب الخاوى، والذي عاشَ حياته يُعانى من خواءٍ وفراغٍ في التحقُّق النفسيِّ والشعريِّ.

ومؤخرا جدد مفتى مصر الأسبق الدكتور على جمعة التذكرة بهذا المقال ليعكس حالة التطرف التي عاشها قطب يمينا ويسارا.
ويعتبر التضاد السابق الإشارة اليه من أبرز الأدلة على التحول الجذرى في حياة سيد قطب وأفكاره من النقيض إلى النقيض دون أسباب تذكر، فبعد أن دعا قلمه للتعرى وارتداء «المايوه» على الشواطئ عاد نفس القلم ليكتب سطورا غاية في التطرف والعنف الإسلامى انتهجها اتباع جماعة الإخوان المسلمين من بعده على حالها فكانت سببا في الكثير من الكوارث التي ارتكبوها من منطلق ذلك الفكر العنيف.

c.v
- ولد سيد قطب في أكتوبر 1906 بمحافظة أسيوط.
- تخرج في كلية دار العلوم والتحق بحزب الوفد ثم تركه.
- كانت له محاولات شعرية لم تكتب لها النجاح.
- انضم لجماعة الإخوان وصار أبرز منظريها.
- تم تنفيذ حكم الإعدام عليه في أغسطس 1966.
الجريدة الرسمية