رئيس التحرير
عصام كامل

الكاتبة السعودية نادين البدير ترفع شعار رجل واحد لا يكفى


في أغلب الأحيان إن لم يكن جميعها يهدف صاحب الرأى أو كاتب المقال إلى توصيل رسالة ما للمجتمع، ولا مانع من أن يثير جدلًا بآرائه حول القضية موضع النقاش، لكن يندر تيقنه من أن رأيه يضعه في خانة الاتهام والرفض من الجميع، ومع ذلك لا يرتدع عن سطره على صفحات الجرائد، ومن هؤلاء كانت الكاتبة السعودية ومذيعة قناة «الحرة» نادين البدير، فما أن احتضنت جريدة «المصرى اليوم» مقالها «أنا وأزواجى الأربعة»، إلا وانهال عليها سيل من الاتهامات، دارت جميعها حول «ازدراء الأديان» و« الفجور».


المقال المنشور في ديسمبر 2009 أثار العديد من ردود الأفعال الغاضبة، باعتباره مقالًا يدعو إلى تعدد الأزواج للنساء بالمخالفة للشريعة الإسلامية، حيث أسرع خالد فؤاد -نائب رئيس حزب الشعب الديمقراطى المصري- يتهمها بالفجور وازدراء الأديان، مطالبا بطردها من مصر، وعلى إثرها أمر النائب العام حينها باستدعاء الكاتبة للمثول أمام جهات التحقيق، وهو ما لم يحدث.

ولأنها تؤمن بأن «امرأة واحدة تكفى» للزوج، وكثيرًا ما وجهت سهام نقدها نحو المتدينين والمحافظين في العالم العربى والإسلامى لإصرارهم على السماح بتعدد الزوجات، اعتبرت «البدير» ردود الأفعال الغاضبة ضدها، انتصارًا نسائيًا بعد سلسلة من النكسات، ورأت أن كل هذا الحنق من الرجال لمجرد طرح الفكرة، وليس لإمكانية مشاركة زوجاتهم مع رجال آخرين، مثلما تذوق النساء هذه المعاناة بسند شرعي، على حد قولها.

المقال الأزمة للكاتبة السعودية جاء نصه كالتالي:
ائذنوا لى أن أزف إلى أربعة.. بل إلى خمسة، أو تسعة إن أمكن.
فلتأذنوا لى بمحاكاتكم.
ائذنوا لى أن أختارهم كما يطيب لجموح خيالى الاختيار.
أختارهم مختلفى الأشكال والأحجام، أحدهم ذو لون أشقر وآخر ذو سمرة، بقامة طويلة أو ربما قصيرة، أختارهم متعددى الملل والديانات والأعراق والأوطان، وأعاهدكم أن يسود الوئام.
لن تشتعل حرب أهلية ذكورية، فالموحد امرأة.
اخلقوا لى قانونًا وضعيًا أو فسروا آخر سماويًا واصنعوا بندًا جديدًا ضمن بنود الفتاوى والنزوات، تلك التي تجمعون عليها فجأة ودون مقدمات.

فكما اقتادونى دون مبررات لمتعة وعرفى وفريندز ومصياف ومسيار وأنواع مشوشة من الزيجات، فلتأذنوا لى أن أقتاد بدوري أربعة.
هكذا رحت أطالب مرة بحقى في تعدد الأزواج أسوة بحقه في تعدد الزوجات، استنكروها، النساء قبل الرجال، والنساء اللاتى تزوج عليهن أزواجهن أكثر من المعلقات بأحادى الزوجة، والنساء المتزوجات أكثر من العازبات، كتب رجال الدين الشىء الكبير من المقالات والسؤالات حول عمق تعريفى للزواج وعمق تدينى وكتب القراء كثير من الرسائل أطرفها من يريد الاصطفاف في طابور أزواجى المأمولين.

أصل الموضوع كان تعنتى وإصرارى على أحادية العلاقات، أصله رغبة جامحة باستفزاز الرجل عبر طلب محاكاته بالشعور بذاك الإحساس الذي ينتابه (وأحسده عليه) وسط أربعة أحضان.. ألم يمتدحه الرجال؟ ألا يتمنونه بالسر وبالعلن؟ لطالما طرحت السؤال حول علة الاحتكار الذكورى لهذا الحق، لكنَّ أحدًا لم يتمكن من إقناعى لم أنا محرومة من تعدد الأزواج؟

كرروا على مسامعى ذات أسطوانة الأسئلة وقدموا ذات الحجج التي يعتقدونها حججًا.
قالوا إنك لن تتمكنى كامرأة من الجمع جسديًا بين عدة رجال، قلت لهم الزوجة التي تخون وبائعة الهوى تفعلان أكثر، بلى أستطيع. قالوا المرأة لا تملك نفسًا تؤهلها لأن تعدد، قلت: المرأة تملك شيئًا كبيرًا من العاطفة، حرام أن يهدر، تملك قلبًا، حرام اقتصاره على واحد، إن كان الرجل لا يكتفى جنسيًا بواحدة فالمرأة لا تكتفى عاطفيًا برجل.. أما عن النسب فتحليل الحمض النووى DNA سيحل المسألة، بعد فترة لم يعد تفكيرى منحصرًا في تقليد الرجل أو منعه من التعدد، صار تفكيرًا حقيقيًا في التعددية، التي نخجل نحن النساء من التصريح عن رأينا الداخلى بها.

التعددية التي انتشرت بدايات البشرية وزمن المجتمع الأموى والمرأة الزعيمة، التعددية التي اختفت مع تنظيم الأسرة وظهور المجتمع الأبوى وبدايات نظام الاقتصاد والرغبة في حصر الإرث وحمايته.. لأجل تلك الأسباب كان اختراع البشرية للزواج، وجاءت الأديان لتدعم أنه مؤسسة مودة ورحمة وأداة تناسل وحماية من فوضى الغرائز.

كل الفوائد المجتمعية مكفولة به، وكثير من المصالح الدينية مضبوطة به، عدا شىء واحد، لم يحك عنه المنظمون، وهو دوام التمتع بالجنس.. ودوام الانجذاب داخل زواج خلق لتنظيم الجنس..
جاءت حماية الأمور المادية للمجتمع من اقتصاد وأخلاق على حساب الشغف الطبيعى بين الأنثى والذكر، ونسى المنظمون أن الزواج يستحيل عليه تنظيم المشاعر التي ترافق الجنس، لأن لا قانونًا لها ولا نظامًا، الجنس داخل مؤسسة الزواج واجب روتينى.. أحد طقوس الزواج اليومية، وسيلة إنجاب، إثبات رجولة، كل شىء عدا أنه متعة جسدية ونفسية.

يقول الرجال: يصيبنا الملل، تغدو كأختى، لا أميل لها جنسيًا مثل بداية زواجنا صار بيتى كالمؤسسة، اختفى الحب.
ـ الملل.. أهو قدر طبيعى لمعظم الزيجات؟
فتبدأ ما نسميها (خيانة)، ويبدأ التعدد لا لأن الرجل لا أخلاقيات له لكن لأن الملل أصابه حتى المرض، والتقاليد وأهل الدين يشرعون له الشفاء.
أما المرأة فتحجم عن الخيانة، لا لأن الملل لم يقربها، بل على العكس في الغالب هي لم تشعر بأى لذة منذ الليلة الأولى في هذا الزواج التقليدى المنظم، لكن لأن التقاليد وأهل الدين يأمرونها بأن تلزم بيتها و(تخرس)، هل كل المتزوجات في مجتمعاتنا الشرقية مكتفيات جنسيًا؟ بالطبع لا.

تخجل المرأة من التصريح بأنها لا تنتشى (أو لم تعد تنتشى)، وأن ملمس زوجها لم يعد يحرك بها شيئًا.. وتستمر بممارسة أمر تعده واجبًا دينيًا قد يسهم بدخولها الجنة خوفًا من أن تبوح برفضها فيلعنها زوجها وتلعنها الملائكة. سيمون دى بوفوار بقيت على علاقة حب بسارتر حتى مماتها لم يتزوجا ورغم مغامراتهما المنفردة بقيا على ذات الشعور الجارف بالحب تجاه بعضهما.

هل الأحادية في أصلها الإنسانى خطأ؟ هل الحياة داخل منزل واحد والالتصاق الشديد هو سبب الملل؟ اختفاء عنصر التشويق.
هل صحيح أن الأجساد كلما ابتعدت يرسخ الانجذاب، وكلما اقتربت الأجساد حد التوحد اليومى ابتعدت الأرواح؟ هل من الغلط انتقالهما للحياة في منزل مشترك؟ لماذا يدوم كثير من العلاقات خارج إطار الزواج لسنوات طويلة وحين يتم الزواج ينتهى كل ما جمعهما؟ حتى يقال (انتهت علاقتهما بالزواج) وكأنها فنيت.

هل هناك خطأ في الزواج نفسه؟ هل يكون عقد النكاح المكتوب هو السبب.. تحويل المشاعر لأوراق تصادق عليها المحكمة والشهود لإبرام تحالف المفترض أن يكون روحيًا؟ أهو اختلاط الحب والانجذاب بالالتزام القانونى والرسميات.. أم أن تدخل الأهل واشتراط موافقة جمع هائل من المجتمع والنظام ومختلف المعابد قد يفرغ المشاعر من روحها..
التعدد في اعتقاد كثيرين هو حل لمشكلة الملل والسأم وتلبية لمشاعر الرجل، لكن في احتكار الرجال للتعدد دون النساء تمييز وخرق لكل معاهدات سيداو، إذ كيف تلبى مشاعر المرأة؟
إما التعدد لنا أجمعين أو محاولة البدء برسم خارطة جديدة للزواج.. تحل أزمة الملل وحجة الرجل الأبدية، وحتى ذلك الوقت يبقى سؤالى مطروحًا: ما الحل إن أصابنى الملل من جسده أو شعرت أنه أخى؟

c.v
- ولدت في 4 أكتوبر 1980 بمحافظة القريات السعودية
- حاصلة على ماجستير في إدارة الأعمال
- تهتم بقضايا الليبرالية الاجتماعية والسياسية
- تحمل على عاتقها هموم النساء في المجتمعات العربية
- بدأت الكتابة في صحيفة «عكاظ» ثم انتقلت إلى مجلة المجلة ثم صحيفة «الوطن» السعودية
- تقدم على قناة «الحرة» برنامج «مساواة»، وتنشر مقالات في مطبوعات عربية عدة
- تعتبر نفسها امتدادًا لفكر الدكتورة نوال السعداوى
الجريدة الرسمية