رئيس التحرير
عصام كامل

وتبقى مصر بشموخها وكبريائها


لولا المؤسسة العسكرية أثناء ثورة ٢٥ يناير، لتفككت أوصال مصر وانفرطت حبات عقدها.. مع ذلك، كانت الثورة فرصة كبرى لجماعات التكفير والعنف والإرهاب للخروج من جحورها والظهور علنا بأعلامها وتجمعاتها، فضلا عن وصول السلاح أيضا.. كما أن مؤسسات الدولة لم تكن تعمل - ولو بربع - الكفاءة المطلوبة.. الانتهازيون ولصوص الأوطان - الذين لا علاقة لهم بالثورة - أصبحوا ثوارا ومسيسين، يطالبون "بحقهم" في الثروة والسلطة.. لم يكفهم ما نالوه واستولوا عليه خلال العقود الثلاثة التي حكم فيها مبارك.. أرادوا استكمال مسيرتهم في الحصول على المزيد والمزيد، فهؤلاء نهمون، لا يشبعون.. أما الذين عاشوا على هامش الحياة، وخارج التاريخ، فلا مكان لهم.. هم أيضا يستكملون - رغم أنوفهم - مسيرتهم في المعاناة الطويلة التي لا تتوقف ولا تنتهى.. اختلاط الحابل بالنابل كان السمة العامة التي تميز المشهد العام، وكانت التظاهرات الفئوية في كل مجال وميدان، هي الطريق الوحيد للحصول على المآرب..


في ظل هذا المناخ، جاء الإخوان ليحكموا مصر، واغتنم كل فصيل الفرصة ليرتب أوراقه كى يتلاءم أو يتوافق مع الوضع الجديد.. جماعات التكفير والعنف والإرهاب من ناحية، ورجال المال والأعمال من ناحية ثانية، والإعلاميون من ناحية ثالثة.. المستفيدون دائمًا وأبدا من أي وضع متواجدون.. هم يلعبون على كل الحبال، يتلونون بكل ألوان الطيف، ويأكلون على كل الموائد.. والضائع هو الوطن، وقطاعات عريضة من الشعب المصرى لا تستطيع - بقلة حيلتها أو ضعفها وربما بقيمها ومبادئها - أن تجد لنفسها موطئ قدم..

عقد الإخوان صفقات مع الجميع، بدءا من المجلس العسكري، مرورا بالسلفيين والفلول، وانتهاء بجماعات التكفير والعنف والإرهاب..وفى كل صفقة، نالوا ونال كل فصيل ما يريد.. حاولوا أن يرضوا جماعات التكفير والعنف والإرهاب، بحيث تتوافر لديهم المعسكرات والتدريبات، والسلاح بكل أشكاله وألوانه، في مقابل ألا يصدر منهم ما يعكر الصفو، وأنهم - أي الإخوان - سيلتزمون بتطبيق "الشريعة" (!) في نفس الوقت، تظل هذه الجماعات رصيدا يعتمدون عليه ويستعينون به في مواجهة مؤسسات الدولة؛ الجيش، الشرطة، القضاء، والإعلام.. عقدوا صفقات مع رجال المال والأعمال، في الداخل والخارج (مصريين وغير مصريين)، للاستفادة القصوى مما في أيديهم.. كما عقدوا صفقات أخرى مع أرباب الإعلام "المتلونين" لتحسين مواقفهم وتسويق بضاعتهم..

لقد تلخصت خطة الإخوان في اختراق كل مؤسسات الدولة والنفاذ إلى مفاصلها؛ الجيش، الشرطة، القضاء، والإعلام، علاوة على مؤسسات المجتمع المدنى.. أرادوا أن يكون الجميع تحت سيطرتهم وفى خدمة غاياتهم ومراميهم.. وقد ساعد في ذلك - بطبيعة الحال - الإدارة الأمريكية وتوابعها (الاتحاد الأوربي، تركيا، قطر، ليبيا، والسودان) خدمة للمشروع الصهيوأمريكى في مزيد من التحكم والهيمنة وضمان أمن وأمان العدو الصهيونى.. وفى مقابل ماذا؟ أن يظل الإخوان في السلطة إلى الأبد.. لكن، "جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن"، بعد أن "جنت براقش على نفسها"..

وللمرة الثانية، يبرز دور المؤسسة العسكرية عقب ثورة ٣٠ يونيو.. فلولاها لانزلق المجتمع المصرى إلى حرب أهلية لا يعلم مداها إلا الله، ولأصبح الاستقلال الوطنى في خبر كان.. فشلت خطة التمكين.. وبزغت شمس الحقيقة واضحة وجلية، وهى أن من يريد تحقيق مصالحه على أشلاء الوطن، لا بد أن يفشل.. يذهب هو "إلى حيث ألقت أم قشعم"، وتبقى مصر بشموخها وكبريائها.
الجريدة الرسمية