رئيس التحرير
عصام كامل

الزمن الجميل.. هل كان جميلًا حقًا؟!


يحن بعضنا إلى ما يطلقون عليه الزمن الجميل.. فهل كان جميلًا حقًا؟ أبادر إلى الإجابة فأقول: يختلف الأمر من شخص إلى آخر، فمنهم من يراه جميلا، ومنهم من يراه عكس ذلك.. لقد سمي الإنسان إنسانًا لأنه ينسى.. هو حقيقة ينسى، لكن البعض يريد أن ينسى ما مر به من محن وشدائد في سالف الأيام، ويتصور أن المعاناة التي يواجهها في أيامه الحالية لم تمر به من قبل... هو يريد أن يستحضر فقط تلك الأيام أو اللحظات السعيدة التي عاشها، حتى تضفى عليه نوعًا من البهجة، خاصة وهو يواجه مناخًا محبطًا وظروفًا صعبة وأوضاعًا لا تبعث ولا تشجع على الأمل بأى حال..


أحيانًا ينجح، وأحيانًا أخرى يخفق.. هو ينظر حوله فيجد كل شيء متهالكًا ومتداعيًا.. جرت عليه تقلبات الأيام وعوارض الزمن، خاصة أن ثقافة الصيانة والإحلال والتجديد لا مكان لها في حياتنا، فإذا أضفنا إلى ذلك أننا نفتقر أصلا إلى الإتقان والإجادة في عملنا، لأدركنا كم التدهور الذي نواجهه.. ما عاد كل شيء كما كان في سالف الأيام.. أصدقاؤه وأحباؤه الذين رافقوه رحلة الحياة، أو جزءا منها، تفرقت بهم السبل ولا يدرى أين هم الآن.. هل ما زالوا على قيد الحياة، أم رحلوا كما هي نهاية كل حى؟! حقًا "عش ما عشت فإنك ميت، وأحب من أحببت فإنك مفارق".. "وإنك ميت وإنهم ميتون"..

عزاؤه الأكبر أن هناك آخرة، وأنه سيكون ممن أنعم الله عليهم بالرضا، وأنه سوف يلقى الأحبة "محمدًا وصحبه".. سوف يكون من أهل السعادة في دار الكرامة.. ولم لا وهو يحسن الظن بالله؟! صحيح أنه كبقية البشر ارتكب أخطاءً كثيرة، لكن الله تعالى ستره.. لم يفضحه، فضلا منه وكرما.. ثم هو يطمع في أن يغفر الله له ويتوب عليه، ويتجاوز عن سيئاته وعثراته..

بعضنا كانت طفولته وصباه، بل شبابه الباكر لم يكن سعيدًا، أو على الأقل خالطته شوائب من أحزان وآلام وأوجاع.. وبعضنا الآخر كانت فترات طفولته وصباه وشبابه على وجه العموم بائسة وتعيسة، وإن تخللتها بعض الأوقات السعيدة أو الجميلة.. لكنه عاش حياته، كما يقولون، بالطول والعرض.. ناضل كثيرا من أجل مبادئه التي يؤمن بها.. لم يكن ينم، ولم يكن يعرف للطاقة حدودا.. حقق الكثير، وأخفق في الكثير أيضًا..

لكن، ها هو الآن يجلس في بيته مع كتبه، وأولاده وأحفاده، لا يغادر بيته إلا لضرورة أو لمصلحة هنا أو هناك.. هو لا يشعر بالوحدة أو الوحشة أو الغربة، فقد اعتاد أن يعيش مع الله دائمًا، وتلك نعمة كبرى.. ثم إن ثورة المعلومات والاتصالات والسماوات المفتوحة لم تترك له فرصة أن يشعر بفراغ، أو عزلة، جعلته موصولا بالعالم، وتلك نعمة أخرى.. لم يعد في حاجة لأن يسافر، فالوسائل التقنية الحديثة جعلت العالم، كما يقولون، قرية صغيرة. .أصبح يقضى حوائجه بسهولة ويسر وفى لا زمن بعد أن كانت تحتاج إلى جهود مضنية وأوقات طويلة.. ورغم هذا التقدم المادى والتقنى الهائل، فإن هناك فقرًا في أشياء كثيرة..

منظومة القيم الأخلاقية والإيمانية والإنسانية في حالة انهيار، أو أصابها شلل أو عجز.. المثل العليا غائبة، والقدوة غير موجودة، والدفء والحنان الأسرى يكادان يكونان مفقودين.. الحياة المادية تصبغ كل شيء، العلاقات الأسرية، والأخوية، والصداقة.. إلخ.. الشباب (فتيانا وفتيات) يعانون فراغًا عاطفيًا ونفسيًا ووجدانيًا.. نفوسهم يغمرها اليأس والإحباط، وحياتهم يملؤها الشقاء والتعاسة، كما ضل الاستقرار النفسى طريقه إليهم.. لأجل هذا يحن كبار السن منا إلى "الزمن الجميل".
الجريدة الرسمية