رئيس التحرير
عصام كامل

بطولات المخابرات في «أدب الجاسوسية».. «جيمس بوند» و«رأفت الهجان» و«أدهم صبرى» أبرزها..صالح مرسي خلد ملاحم المخابرات المصرية في «الحفار» و«دموع في


لم تكن «إيستر بولانسكي» التي وقع رأفت الهجان في حبها سوى شخصية من خيال مؤلف الرواية نحتها من بين أصابعه، ونفخ فيها من حبره، ووهبها حياة من عدم، شخصيًا أشعر بالخديعة؛ فالسطور الأولى من الرواية تقول إنها من ملفات المخابرات العامة، وعلى خلاف الواقع نسج لنا المؤلف وقائع وشخصيات من وحى الخيال يثرى بها التقارير المخابراتية الجافة لتنبض بالحياة، وما بين أوراق المخابرات وخيال المؤلف خيط رفيع أنشأ لنا أدبًا يمكن لنا أن نطلق عليه أدب الجاسوسية، وهذا الأدب يجعلنا ندرك جيدا أن الواقع يظل أكثر قدرة على تقديم مادة للمبدعين أكثر من الخيال، أدب قائم على الوثائق وملفات المخابرات يجعلنا أكثر قابلية للتصديق بأنه واقعى ولا دخل للخيال في صنعه.


جيمس بوند
دشن الكاتب البريطانى أيان فليمنج عهدًا جديدًا في الأدب أطلق عليه أدب المخابرات أو أدب الجاسوسية برواياته عن رجل المخابرات البريطانى جيمس بوند أو «العميل 007»، ففى الحرب العالمية الثانية خدم الأديب والصحفى البريطانى إيان فليمنج في مخابرات البحرية البريطانية ومنها استوحى شخصيته جيمس بوند.

ففى فبراير عام 1952 بدأ فليمنج بكتابة الذي كان المدير الأجنبى لصحف The Daily Express في لندن، وقتها قام فليمنج بأخذ إجازة في جامايكا وقام بكتابة الرواية تلو الأخرى، ومنذ عام 1953 حتى عام 1964 نشر فليمنج اثنتى عشرة رواية ومجموعة من القصص القصيرة، وبعد موت فليمنج تولى تأليف الروايات كل من كنجسلى آمس الذي ألف رواية واحدة وهى «العقيد صن»، وبعده جون جاردينر الذي ألف أربع عشرة رواية، وبعد الأمريكى رايموند بنسن الذي ألف ست روايات، ثم شارلى هجسون الذي قام بتأليف 5 روايات، وأخيرا المؤلف البريطانى سبستيان فولكس الذي أطلق رواية «الشيطان قد يهتم»، وتعود الرواية حيث انتهى فليمنج من آخر رواياته عام 1964 حيث أجواء الحرب الباردة.

صالح مرسي
«رأفت الهجان، دموع في عيون وقحة، الحفار، وحرب الجواسيس» كلها أعمال للأديب صالح مرسي،الذي صنفه البعض برائد أدب الجاسوسية العربية، كان يعمل مع جهاز المخابرات العامة المصرية فيما يتعلق بالروايات الخاصة بالجهاز، ويعتبر من المدنيين الذين عملوا مع المخابرات.

من مواليد مدينة كفر الزيات بمحافظة الغربية يوم 17 فبراير 1929، أتم دراسته الثانوية والتحق بالبحرية التجارية، تعلق بالأدب وقرأ إبداعات نجيب محفوظ ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم.
وبعد أن نال شهادة الليسانس في الآداب، تعرف على إدريس وهو في بداية شهرته في منتصف خمسينيات القرن الماضي، عن طريق إرسال محاولاته الأولى في القصة عبر البريد، فشجعه إدريس على نشرها في مجموعة قصصية، وبالرحيل إلى القاهرة، ارتاد المنتديات الأدبية والتحق بمجلة صباح الخير ونشر أول مجموعة قصصية بعنوان «الخوف».

اقتحم مرسي عالم الجاسوسية وبدأ بكتابة مسلسل للإذاعة عن جاسوس مصرى كان يعمل لصالح إسرائيل بسكرتارية المؤتمر الأفروآسيوى من واقع ملفات المخابرات، وتلته مجموعة قصصية بعنوان الصعود إلى الهاوية، وروايات «الحفار ودموع في عيون وقحة وسامية فهمى ورأفت الهجان»، وهى ملاحم وطنية تحاول إيقاظ الثقة بالنفس، وأن هناك عدوا يتربص بنا وعلينا أن نكون على يقظة دائمة.

رأفت الهجان
روى الكاتب الراحل «صالح مرسي» كيف ظهرت إلى الوجود قصته عن عميل المخابرات رفعت الجمال. كان صالح قد قرر وقتها أن يتوقف عن كتابة هذا النوع من الأدب، لولا لقاء بالمصادفة جمعه بشاب من ضباط المخابرات المصرية أخذ يلح عليه وبشدة أن يقرأ ملخصا لعملية من عمليات المخابرات. وشرع صالح مرسي في قراءة الملف وتملكه إعجاب وتقدير كبيرين لشخصية «رفعت الجمال» وقرر أن يلتقى مع محسن ممتاز «عبد المحسن فايق» أحد الضباط الذين جندوا الجمال للحصول على تفاصيل إضافية تساعده في كتابة القصة، لكن محسن ممتاز رفض أن يعطيه معلومات حول شخصية رفعت الجمال الحقيقية، والتقى صالح مرسي بعدها أيضا مع «عبد العزيز الطودي» الذي عرف باسم عزيز الجبالي، والذي راح يروى على مدى عشرة فصول مخطوطة وعلى 208 ورقات فلوسكاب ما حدث كاملًا.

منذ ظهور قصة «رفعت الجمَّال» إلى الوجود، كرواية مسلسلة، حملت اسم رأفت الهجَّان في العدد رقم 3195 من مجلة المصوِّر المصرية، نجحت في جذب انتباه الملايين، الذين طالعوا الأحداث في شغف مدهش، لم يسبق له مثيل، وتعلَّقوا بالشخصية إلى حد الهوس، وأحدثت هذه الرواية هزة عنيفة لأسطورة تألق وتم اعتبار الجمال بطلًا قوميًا في مصر عمل داخل إسرائيل بنجاح باهر لمدة تقارب العشرين عاما.

نبيل فاروق
بعد نجاح سلسلتى رجل المستحيل وملف المستقبل، اعتزل الدكتور نبيل فاروق المولود في 9 فبراير من عام 1956م في مدينة طنطا، مهنة الطب ليتفرغ كليًا للكتابة.
بداية التحول الجذرى في مسيرة نبيل فاروق الأدبية كانت في عام 1984 عندما اشترك بمسابقة لدى المؤسسة العربية الحديثة وفاز بجائزتها عن قصته أشعة الموت والتي نشرت في العام التالى كأول عدد من سلسلة ملف المستقبل.
في تلك الفترة أيضًا، كانت علاقة نبيل فاروق بإدارة المخابرات المصرية قد توطدت بشكل ما، ممّا سمح له بمقابلة ضابط مخابرات مصري، استوحى واقتبس منه شخصية «أدهم صبري» في سلسلة رجل المستحيل التي حققت نجاحًا كبيرا في العالم العربي.

صائد الجواسيس
اللواء فؤاد حسين وهو الملقب بـ «صائد الجواسيس» الذي ضبط 48 جاسوسًا خلال عمله الأمني، بعد خروجه على المعاش قرر كتابة أدب الجاسوسية عن القصص المتعلقة بالتخابر والتجسس التي عايشها عبر عمله بالمخابرات، فكتب قصة بعنوان «الخيانة الهادئة» بطلها كان عريفا في القوات المسلحة هرب من الجيش عام 1968 وسلم نفسه لليهود الذين قاموا بتجنيده وإرساله لمصر وتم كشفه والقبض عليه.

الجاسوس 388
رواية «الجاسوس 388 « للكاتب عبد الله يسري، قصة واقعية دارت أحداثها في ستينيات القرن الماضى، ومكونة من أربعة فصول متتالية الأحداث، تبدأ بالفصل الأول عام 1960 في القاهرة، وهى تحكى عن جاسوس في فترة الستينيات.

وعن هذه الرواية يقول عبد الله يسري: اعتمدت في تدوينها على أوراق ووثائق ومقابلات مباشرة مع صانعى الحدث، فالقوات المسلحة المصرية في هذا الوقت كان لديها مشروع طموح أن تملك صواريخ خاصة بها واستعانت بخبراء ألمان لمساعدتها في مشروعى صواريخ «القاهر» و«الظافر»، وعلمت إسرائيل بالمشروع فأرسلوا لنا شخصا على أنه رجل أعمال ألمانى ومربى خيول واستطاعوا طمس ماضية القديم وخلقوا له تاريخا مختلفا وواقعا رائعا، استطاع هذا الجاسوس التعرف على القادة والمسئولين وكان يجمع معلومات منهم عن طريق حفلات تضم خمورا وغيرها ومن ثم يحصل على المعلومات التي يريدها منهم بعد أن يكونوا تخلوا عن حرصهم وحذرهم.

وكان الجاسوس يجمع معلومات عن طريق تجواله يوم الجمعة بشارع باب الحديد وهو شارع «رمسيس» الآن ليرصد حركة الإجازات في القوات المسلحة ويتابع صفوف الجيش، وتم الكشف عن شخصيته عبر ملاحقة ذبذبات الإرسال التي كان يرسلها لإسرائيل وتم القبض عليه وبعد معرفة تاريخه تبين أنه كان ضمن جيش شارون الذي نفذ كثيرًا من المذابح.
الجريدة الرسمية