رئيس التحرير
عصام كامل

اللواء عبدالسلام المحجوب صائد الجواسيس.. «الريس زكريا» عرّاب عملية الحصول على أحدث جهاز لاسلكى من أيدى «الموساد».. تمكن من تخليص أسر المعارضين الليبيين من معتقلات «القذافى


تزخر ملفات جهاز المخابرات العامة المصرية بالعديد من القصص البطولية، التي يغلب على معظمها السرية وعدم الإفصاح عن تفاصيلها إلى أن يغيب الموت أبطالها، ليفاجأ الجميع بأن هؤلاء الذين فارقوا الحياة كانوا دروعًا مخابراتية لحماية هذا الوطن من أعدائه.


ومثلما هناك من لم يشعروا بلذة البطولة في حياتهم، هناك من كان الحظ حليفهم؛ وكشفت أمجادهم أمام الجميع قبل مغادرتهم الدنيا، وليس أدل على هذا من اللواء محمد عبدالسلام المحجوب، أو كما يعرفه العامة «الريس زكريا».

هو من مواليد محافظة الدقهلية عام 1935، وحصل على بكالوريوس العلوم العسكرية من الكلية الحربية عام 1955، كان ضابط الحالة الخاص بالجاسوس المصرى الشهير أحمد الهوان، أو كما سماه مسلسل «دموع في عيون وقحة» جمعة الشوان، وهو ما أكده أحمد الهوان في أحد لقاءاته في السبعينيات.

فقد حكى جمعة الشوان أو «أحمد الهوان» أن «الريس زكريا» هو اللواء محمد عبد السلام المحجوب، وأنه من قام بمتابعة عملية تدمير «الحفار» الإسرائيلي، حيث إنه خلال تلك الفترة كان يجند عددًا لا بأس من ضباط الشرطة الأوربيين.

ووفقًا لرواية «الشوان» فإن «المحجوب» هو من قام بتسهيل شحن المتفجرات الخاصة بعملية الحفار، عن طريق وضع الألغام والملابس والمعدات في حقائب، وتغطية تلك الألغام بمادة تمنع أي أجهزة من كشف ما بداخل الحقيبة، كما وضع أقلام التفجير داخل علبة أقلام أنيقة جدًا داخل جيب «الجاكيت» الذي كان يرتديه.

وعن دور اللواء عبدالسلام المحجوب، في عملية تجنيده، قال «الشوان»: «عندما تركت السويس واتجهت إلى أثينا بحثًا عن عمل تقابلت مع «المحجوب» أو «الريس زكريا»، وأخبرنى أنه من محافظة دمياط ويبحث عن عمل، وعندما ضاقت بى الدنيا بأثينا، عرضت عليه شراء ساعتى كى آكل بثمنها، وبعدها حاول الموساد الإسرائيلى اصطيادى للعمل لصالحهم، فتوجهت إلى المخابرات المصرية لأخبرهم بما حدث معى، وهناك قابلت هذا الرجل، ففوجئت بأنه ضابط بالمخابرات المصرية، وأعاد لى الساعة التي اشتراها منى، وأصبح الضابط المسئول عني».

عملية «أحمد الهوان» مثلت –كما جرى على لسان اللواء عبدالسلام المحجوب في وسائل الإعلام - تحديا كبيرا لجهاز المخابرات العامة المصرية في ذلك الوقت، ورغم ذلك نجحت في خداع «الموساد» في عقر داره، ومكنت «الهوان» من اجتياز جهاز كشف الكذب، وحصلت المخابرات على أسرع وأصغر جهاز لاسلكى لا يوجد منه سوى «4 أجهزة» في العالم كله - آنذاك - كان يستخدمه «الموساد» في التراسل، بالإضافة إلى الإمساك بخيوط مهمة مكنت المخابرات المصرية فيما بعد من ضبط وتفكيك العديد من شبكات التجسس الإسرائيلية في مصر وبعض البلدان العربية.
أما التحدى الأكبر الذي واجهه «المحجوب» في عملية «جمعة الشوان»، فتمثل في كيفية إدارة العملية من اليونان بعيدًا عن عيون عناصر الموساد، حيث كانت هناك محطة تجسس للمخابرات الإسرائيلية.

وتحدث «المحجوب» في غير لقاء إعلامي عن توابع نجاح المخابرات المصرية في عملية «جمعة الشوان»، إذ تسببت في إرباك جهاز «الموساد» لعدة سنوات، ودفعته إلى التخلص من العديد من عملائه المخلصين خشية أن يكون قد تم الدفع بهم من قبل المخابرات المصرية، كما أدى نجاح هذه العملية إلى تخلص «الموساد» من العديد من ضباطه وقادته أيضًا لفشلهم، وأرغمتهم على إعادة النظر في كل الأساليب والتقنيات التي كانت تستخدمها المخابرات الإسرائيلية خاصة في مجال الكشف عن الكذب.

ولم تكن هذه هي العملية المخابراتية الناجحة الوحيدة التي يكشف عنها الستار للواء عبدالسلام المحجوب؛ فقد كان أحد ضباط المخابرات المصرية الذين سافروا إلى السنغال وباريس لتنفيذ عملية الحفار أو عملية «الحج»، حيث نجح المصريون في تفجير حفار البترول «كنتينج» الذي اشترته إسرائيل لكى تنقب به عن البترول في خليج السويس بعد نكسة 1967، وكانت تديره شركة اينى الإيطالية، لكن الضفادع البشرية المصرية نجحت في تدميره أثناء توقفه بعاصمة ساحل العاج «أبيدجان» في 28 مارس 1968 أثناء رحلته من كندا إلى إسرائيل، بعد إعداد للعملية استمر عامًا كاملًا، لتمنع إسرائيل من تنفيذ خطتها الرامية إلى نهب الثروات البترولية وفرض سيادة أكبر على سيناء المحتلة آنذاك.

ارتبط اسم اللواء «المحجوب» كذلك بواحدة من أشهر عمليات جهاز المخابرات العامة المصرية؛ فهو من قاد العملية المخابراتية التي أخرجت الزعيم الفلسطينى الراحل «ياسر عرفات» من بيروت في الثمانينيات بعد أن حاصرتها إسرائيل بهدف اغتياله.
كذلك عمل اللواء «المحجوب»، أو «الريس زكريا» على تخليص وتهريب العديد من أسر بعض المعارضين الليبيين، الذين كان يحتجزهم العقيد الليبى الراحل معمر القذافى كرهائن في طرابلس للضغط على معارضيه في القاهرة -إبان حكم الرئيس السادات- للعودة إلى ليبيا والتوقف عن مناهضة حكمه.

وبقيت تلك العملية محفورة في ذاكرة القذافي، فقد طلب -في إحدى زياراته لمصر بعد عدة سنوات- رؤية ضابط المخابرات الذي تمكن من تهريب أسر معارضيه، وكان وقتها «المحجوب» محافظًا للإسكندرية، وعندما قابله طلب منه أن يخبره عن الأسلوب المخابراتى الذي اتبعه لتخليص الرهائن وتهريبهم من ليبيا، لكنه اعتذر بلباقة عن عدم التحدث في هذا الموضوع.

ولا ينسى لـلواء المحجوب أيضًا، أنه عندما كان نائبًا لمدير المخابرات العامة وقت محاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسنى مبارك في العاصمة الإثيوبية «أديس أبابا»، أصر على اصطحاب الرئيس للسيارة المصفحة خلال هذه الرحلة كما يقال.

وقد تقلد اللواء عبدالسلام المحجوب، أو»الريس زكريا» كما اشتهر بين المصريين عدة مناصب مهمة، وعلى رأسها عمله ملحقا عسكريا خارجي، وتولى منصب نائب رئيس الأمن القومي، إضافة إلى منصب المحافظ للإسماعيلية والإسكندرية، كما عمل وزيرًا للتنمية المحلية، وجلس تحت قبة البرلمان، علاوة على رئاسته جمعية «صناع الحياة»، ليتحول بذلك إلى «رجل كل المواقف».
الجريدة الرسمية