رئيس التحرير
عصام كامل

"مدائن صالح" تفرض نفسها على خريطة السياحة العالمية

مدائن صالح
مدائن صالح

فرضت "مدائن صالح"، نفسها بقوة على خريطة السياحة العالمية، بعد أربع سنوات على تسجيلها كأول موقع سعودي في قائمة التراث العالمي في اليونسكو، لتجتذب كل عام الآلاف من السياح العرب والأجانب.


تقع "مدينة الحجر" أو "مدائن صالح" على بعد 22 كم شمال شرق مدينة "العلا" التابعة لمنطقة المدينة المنورة (غرب السعودية) - عند دائرة عرض 47-26شمالًا، وخط طول 53-37 شرقًا -.
وشهدت قصور "مدائن صالح" المنحوتة في الجبال، قصص أقوام حكموا شعوب هذه المنطقة من آشوريين، وأنباط، ورومان، وعرب، كما ارتبط اسمها بقوم "ثمود" الذين عايشوا النبي صالح عليه السلام.
وسميت في عهد الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) بمدينة (الرحبة)، حيث مر عليها صلوات الله وسلامه عليه، في طريقه إلى غزوة تبوك، وتربعت مكانتها في مخيلة من كتبوا عن التاريخ الإسلامي على مر العصور، لتحظى بعناية ودعم الحكومة حتى دخلت منذ ستة أعوام قائمة التراث العالمي باليونسكو.
وتحتوي مدينة الحجر على كمية هائلة من النقوش المعينية واللحيانية التي تحتاج لدراسة رموزها وفكها، ومناطق العلا وديدان والخربية هى آثار لحيانية وأقدمها ربما يعود إلى 1700 سنة ميلادية، بينما مدينة الحجر، هى آثار المعنيين والتجار الثموديين الأوائل القادمين من جنوب الجزيرة العربية.
وثبت لدى الباحثين أن الأنباط هم أول من استوطن (مدائن صالح)، وقاموا بتعميرها ويرى الباحثون أن أصل الأنباط من الجزيرة العربية، وأسس الأنباط حينها مملكة ضخمة امتدت من عاصمتهم البتراء (سلع) شمالا إلى الحجر (مدائن صالح) جنوبا.
وحدد من خلال النقوش النبطية المؤرخة في مدائن صالح العمر الزمني الذي ساد فيه حكم مملكة الأنباط، إذ أنه يبدأ من بداية القرن الأول قبل الميلاد إلى منتصف القرن الثاني الميلادي، والأنباط كما تقول كتب التاريخ، هم شعب قديم استقر في شمال غرب الجزيرة العربية، وكانت لغتهم شكلا من أشكال الآرامية المتأخرة، ما يظهر تأثرا كبيرا بالعربية، وقبل ولادة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ب(700) سنة امتدت مملكة الأنباط من دمشق إلى البحر الأحمر.
وتظهر بقايا مدائن صالح الأعمال الهندسية الرائعة التي اشتهروا بها، ويوجد بها أكثر من 131 قبرًا ضخمًا منحوتًا على صخور واقفة منفردة وسط عالم متموج من الرمال، وجزر من صخور الحجر الرملي المتحللة التي تآكلت وتموجت لتصبح أشكالا منحوتة رائعة، ومن يزور هذه المدينة الأثرية بعد الظهر يبصر منظر الهضاب الذهبية، وخلفها من بعيد حرة عويرض بأرضها البركانية.
ويعد "قصر الصانع"، في مقدمة للعناصر الرئيسية لعمار الأنباط للقبور، ويتمثل في شكلين مكونين من خمس درجات، والنقوش في أعلى الباب، وداخل القبر فتحات كانت توضع فيها جثث الموتى، وتقدم الخريمات (منطقة قبور) 20 ضريحًا من القبور المحفوظة في مدائن صالح، علاوة على وجود العديد من الرموز التي يبدو أنها تربط أجيالًا من التصوير الثقافي المستعار من الأحباش والمصريين وغيرهم، في حين تظهر أشكالا تبدو كالغرفين (جسم أسد بأجنحة) برءوس بشرية، وأشكالا تشبه الورود مرسومة على زبدية استخدمت ضمن تقاليدهم في مصاحبة الجنائز.
ويقف جبل "اثلب" بشموخ مثير للدهشة، على الأفق في الشمال الشرقي من موقع مدائن صالح، ويحيط به فضاء واسع، ولهذا الموقع طريق ضيق يسمى (السيق)، ونحت داخل الصخرة صالة كبيرة مفتوحة تسمى الديوان، ومحاطة بعمودين وبعض المصطبات الحجرية على الجدران الثلاثة الداخلية، وهذه الغرفة باردة بشكل لطيف إذ تهب النسمات العليلة هناك دوما، ولأن واجهتها شمالية فلا تدخلها الشمس، ويوحي المكان بشعور عميق بالأمن والهدوء، ما يجعل المكان مهيبا بشكل كبير، ويمنح تسلق جبل إثلب منظرا خلابا على مدائن صالح.
ويوجد بالمدائن "قصر البنت" الذي رسمت عليه حيتان داخل شكل مثلث لتمثل حارس القبر، وهو مثال للتأثير اليوناني على الفن النبطي، وتم التوقف فجأة عن إكمال بناء هذا القبر، ما يوحي بتقنيات البناء الذي كان من الأعلى إلى الأسفل، وهناك وردية على هذا المدخل ونظرائه تمثل طبقا مزخرفا يستخدم في المناسبات الدينية، ما يدل على أن هذه المباني قبورا.
ويعد "القصر الفريد"، أشهر المقابر النبطية في الحجر، ومن أجمل المقابر النبطية عامة إذ يتميز بواجهة شمالية كبيرة جدا، وسمى بالفريد لانفراده بكتلة صخرية مستقلة، وكذلك لاختلاف واجهته الكبيرة عن المقابر الأخرى في "مدائن صالح".
ويلاحظ دقة النحت وجماله في الواجهة، وعلى الرغم من هذا الجمال إلا أن القصر الفريد غير مكتمل النحت، حيث إنه لم يكتمل العمل في أسفل الثلث الأخير، وقد بنى هذا القصر لشخص اسمه حيان بن كوزا.
الجريدة الرسمية