رئيس التحرير
عصام كامل

من المسئول عن تجاهل الإذاعة المصرية؟!


الإذاعة المصرية لعبت دورًا كبيرًا طوال تاريخها ليس فقط في مجال التعليم والتوعية والتثقيف والترفيه، ولكن أيضا في دعم حركات التحرر في الوطن العربي وأفريقيا.


وقد عكست الأفلام العربية القديمة هذا الدور، وشدت لها كوكب الشرق أم كلثوم أغنية من أجمل أغانيها «يا صوت بلدنا»، وكذلك سيد مكاوي وكبار المطربين الذين ساهمت في اكتشافهم، ومنهم العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، وفي اعتقادي أن أكبر خطأ نرتكبه في حق أطفالنا أننا لم نعودهم منذ صغرهم على سماع الإذاعة لأنها المحرك الرئيسي لخيالهم وملكات الإبداع لديهم، وتركناهم أسرى لشاشات التليفزيون والكمبيوتر وإبهار الصورة حتى لو كانت تافهة أو تحرضهم على العنف أو تغرس فيهم القيم الفاسدة، فمن استمع إلى «ألف ليلة وليلة» في الإذاعة ليس كمن شاهدها في التليفزيون.

ورغم كل ذلك ما زال للإذاعة المصرية سحرها وعشاقها بما تقدمه من برامج جادة ومحترمة وبما تحتفظ به من كنوز لعمالقة العلم والسياسة والفكر والثقافة المصريين، ولأن الإذاعة تتمتع بميزة كبيرة وهي عدم وجود منافس لها من إذاعات خاصة كثيرة، عكس التليفزيون فإنه يجب استغلال هذه الميزة بتطوير برامجها بالكامل، بحيث تواكب طبيعة المرحلة الحالية، لأن أهمية الإذاعة في ازدياد مستمر بسبب مشكلة المرور المزمنة التي جعلت المواطن المصري يقضي نصف عمره تقريبا في المواصلات سواء عامة أو خاصة، فأصبحت الإذاعة هي وسيلته الوحيدة والسريعة سواء للأخبار أو الترفيه.

كل وزراء الإعلام السابقين بداية من صفوت الشريف حتى درية شرف الدين، أهملوا الإذاعة المصرية، وهذا الإهمال وصل إلى حد عدم صيانة وتجديد وتطوير إرسالها، حتى وصل بها الحال إلى أن إذاعة إسرائيل أصبحت مسموعة في سيناء أقوى من إذاعتي شمال وجنوب سيناء، ليس هذا فقط بل وصل الحال الآن بالإذاعة المصرية إلى حد تجاهلها في تغطية الأحداث السياسية المهمة وخاصة نشاط رئيس الجمهورية ولأول مرة في تاريخها لا يوجد مندوب لها مع الرئيس في سفرياته خارج البلاد، بل في كثير من الأحيان في نشاطه الداخلي رغم ملايين من مستمعيها في كل شبر على أرض المحروسة، حتى رئيس مجلس الوزراء نفسه أصبح لا يعير الإذاعة المصرية اهتماما، فإن كان سيادته لا يرى أهميتها فليتخذ قرارا بإلغائها ويوفر ملايين الجنيهات التي تنفقها الدولة شهريا على الإذاعة.

من المسئول الآن عن تجاهل الإذاعة المصرية؟ هل مؤسسة الرئاسة أم مجلس الوزراء؟ أم قيادات ماسبيرو؟ أم الإذاعيون أنفسهم؟ كل هؤلاء مسئولون عن تجاهل الإذاعة، فمؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء قد لا يعلمان بدور وطبيعة عمل الإذاعة التي تضم عشرات الإذاعات الرئيسية والمحلية والموجهة بقدرة بث تصل إلى أربعمائة واثنين وتسعين ساعة إرسال يومي وما تقدمه من خدمة إخبارية وقضايا قومية بعيدة عن حسابات المكسب والخسارة بعكس راديو مصر الذي يتابع الحدث الخبري المحلي دون الالتزام بخريطة برامجية.

وهنا يجب الإشادة بتجربة راديو مصر الناجحة في سرعة متابعة الحدث، ولكن هذا لا يبرر اعتماده بدلا من الإذاعة الرسمية العريقة في تغطية النشاط الرئاسي خارجيا وداخليا، وكذلك نشاط رئيس الوزراء، أما قيادات ماسبيرو السابقة والحالية فتهاونهم في حق الإذاعة أدى إلى تجاهل المسئولين لها، أما زملائي الإذاعيون يتحملون الجانب الأكبر من التجاهل الذي وصلنا إليه بسبب عدم تجويد برامجهم فمعظهم يقوم بعمله من باب تأدية الواجب وملء فراغ الهواء حتى يحصل على مستحقاته المالية الكبيرة التي يتقاضاها الآن العاملون في ماسبيرو رغم ظروفه المالية الطاحنة، وهي أكثر مما يحصل عليه العاملون في القنوات الخاصة التي وصل بها الحال اليوم إلى تأخير وخفض رواتب موظفيها وتقليل أعدادهم.

معظم زملائي الإذاعيين يعتقدون أن لا أحد يسمعهم وبالتالي هم يستسهلون في أداء واجبهم شكلا ومضمونا مع عدم المتابعة من قياداتهم حتى وصل بنا الحال إلى هذه الدرجة من الإهمال والتجاهل، وإن لم نساعد أنفسنا ونحلل رواتبنا ونجود ونرتقي بأعمالنا فسوف ننقرض ويستحق راديو مصر أن يكون هو الإذاعة الرسمية للدولة.

egyp1967@yahoo.com
الجريدة الرسمية