رئيس التحرير
عصام كامل

الأسئلة الضائعة عن القطن


لا يمكن لأي عاقل أن يفهم تدهور زراعة القطن إلا ضربة نهائية لصناعة الغزل والنسيج في مصر.

منذ انفتاح السادات، تعرضت شركات القطاع العام إلى إهمال مقصود أدى إلى طرحها للبيع في الأسواق، وبشكل كبير جدا في عهد حسني مبارك استمرارا لسياسة خلفه.. الحديث ذو شجون، ومن نافلة القول الحديث عن كيف بيعت شركات كبرى بأسعار لا معنى لها.

في السنوات العشرة الأخيرة لحكم مبارك، انبرى بعض المحامين على رأسهم المحامي خالد علي، في رفع قضايا تطعن في الأسعار وصحة البيع وحكم القضاء بعودة بعض الشركات فعلا.

كانت الدولة هي التي تطعن على الحكم، بحجة أن ذلك سيؤدي إلى رفع قضايا على الدولة أمام المحكمة الدولية ويتم تغريم الدولة الملايين.

استمر هذا الأمر حتى بعد ثورة يناير 2011، رغم تغير الحكام وعدم مسئوليتهم عما فعله غيرهم فهذا عصر جديد.. لكن للأسف لم يبدُ حتى الآن أن هناك عصرا جديدا.. وقد أصدرت الحكومة قانونا يمنع الطعن على بيعها لأراضي أو أملاك الدولة إلا من المتعاقدين - الذين طبعا لن يطعنوا - هكذا حول هذا القانون ما أسماه بأملاك الدولة أمرا ليس للشعب فيه أي نصيب، رغم أن الدولة لا تملك أي شيء، وكل ما ترعاه في حكمها هو ملك للشعب.

لقد تابعنا مشاكل كثيرة تمت في مصانع الغزل والنسيج بالمحلة، وإضرابات عمالية ومفاوضات مع العمال، وفي كل مرة يستضيف التليفزيون أحدا من العمال كان يقول إن إدارة الشركة المعينة من الحكومة تعمل على خسارة المصنع بقصد حتى ينفتح السوق للبضائع الصينية وغيرها، ولست في حاجة أن أقول لكم إن مصانع الغزل والنسيج بالمحلة على وجه الخصوص، كانت عملا وطنيا رفع شعاره الاقتصادي الكبير طلعت حرب في ثلاثينيات القرن الماضي، في محاولة منه للاستفادة بإنتاج القطن الذي كان يخرج من مصر إلى مصانع إنجلترا ويعود إلينا نسيجا غاليا.

لقد اتسعت هذه الصناعة، وتقدمت أكثر بعد ثورة يوليو 1952، وصارت مصانع المحلة مع مصانع كفر الدوار علامة مهمة على صناعة الغزل والنسيج، بل مصانع الغزل في حي مينا البصل في الإسكندرية حيث كانت توجد بورصة القطن، وهي مصانع أكثرها كانت ملكا لفرغلي باشا - ملك القطن - وتم تأميمها.

مصانع الغزل هذه يعمل بها الآلاف على مر السنين، وهي لازالت قائمة لمن يمر من هناك في مبانيها العتيقة الجميلة تشغل مساحة كبيرة تمتد من مينا البصل حتى القباري.

منذ سنوات بدأ الحديث عن أزمة صناعة النسيج في المحلة وغيرها، وهكذا شيئا فشيئا صارت زراعة القطن تسبب خسارة للفلاح تستدعي دعما من الدولة لاستمرارها.. لكن الدولة قررت أن يكون هذا العام هو الأخير في دعم القطن دون أن تقول لنا إنه لابد من تطوير وطفرة في إدارة شركات الغزل والنسيج لتستمر زراعة القطن وتزدهر.

البعض يقول إن زراعة القطن لا تأتي بربح؛ لأن دولا كثيرة تزرعه.. والإجابة أن القطن أصلا لم يكن زراعة مصرية بل دخل مصر من الهند في عصر محمد علي، ورغم ذلك كانت مصر الأولى في القطن طويل التيلة. 

والإجابة الوحيدة الممكنة أن هذه المصانع لا تعمل، ويتم تخريبها وضربة زراعة القطن هي الضربة الأخيرة لها ليتم بيعها بعد ذلك.

ibrahimabdelmeguid@hotmail.com
الجريدة الرسمية