رئيس التحرير
عصام كامل

لا تسرقوا حق الشهداء


لنا بضع سنوات نتناحر في هذا اليوم المعهود الذي هو أحق بملكيته والذين دفعوا دماءهم فداء للوطن.. من يريد طمس التاريخ هو بالفعل خائن يريد محو هوية تاريخنا المصرى وبطولات رجاله البواسل..لا تسرقوا الحق من أصحابه تحت مسميات كثيرة فلا يحق لأحد أن يأخذ حقوق الآخرين خاصة إذا كان ثمنها أرواحًا استشهدت لتروى تراب وطننا الحبيب.


إن الخامس والعشرين من يناير سيظل عيدًا للشرطة المصرية مهما تكلف الأمر ولن نسمح بتزييف التاريخ ومحو بطولة رجال الشرطة البواسل في معركة يكاد الكثير منا لا يعرف تفاصيلها، اسمحوا لى بأن أنعش ذاكرتكم ببعض تفاصيل لهذه المعركة بل هي حرب وليست معركة قادها رجال الشرطة المصرية والفدائيون الذين امتزجت دماؤهم الطاهرة ولونت أرض الإسماعلية بأزهى ألوان الحرية.

بدأت ملامح الحرب تظهر عندما قررت الحكومة المصرية إلغاء المعاهدة مع بريطانيا فدفع هذا القرار الكثير من العاملين بمعسكرات جيش الاحتلال فرفضوا العمل هناك وكذلك أوقف موردو الأغذية أعمالهم فأصاب هذا العمل الوطنى معسكرات الاحتلال بالشلل التام وهذا ما لم تصمد أمامه بريطانيا المحتلة لذلك كان ردها قويا على شعب القنال، فكانت تقوم يوميا بقتل المصريين الأبرياء لا تفرق بين مواطن أو جندى مصرى أو ضابط فالتحم الشعب في المواجهة وشهدت مدينة الإسماعيلية أقوى الملاحم الوطنية متمثلة في حرب شوارع يشنها الفدائيون تحت غطاء رجال البوليس المصرى آنذاك.

وأصبحت الإسماعيلية وجهة لكل ضابط بوليس مصرى وطنى فدائى وما زاد الأمر هو إصرار وزير الداخلية ببعث كل ضابط مصرى فدائى وطنى لهذه البقعة العريقة من مصر، حتى ذلك الوقت لم تكن المواجهة رسمية بين البوليس وجيش الاحتلال ولكنها متمثلة في معارك صغيرة وكر وفر، أراد جيش الاحتلال أن يجر الجيش المصرى للمعارك تمهيدًا لتصفيته وهنا كانت المهمة على عاتق الشرطة المصرية فلابد أن تتحمل هي المعركة داخل مدن القنال حتى لا نخسر الجيش ويتم احتلال القاهرة، عزم رجال البوليس المصرى حماية المدينة بكل قواهم وعملوا ليل نهار لحماية الفدائيين المصريين فكان الفدائى يقوم بالمهمة ويؤمن له الغطاء البوليس المصرى وعند المواجهة يتصدر الضباط المشهد، وفى أيام معدودة التحم الشعب بالشرطة وخاضوا معًا معارك حربية ضارية ضد قوات الاحتلال، ومع سقوط كل شهيد يزداد حماس المصريين جميعًا وإصرارهم على مواصلة الطريق.

فكانت الأرض تحتضن في باطنها يوميًا أجساد الفدائيين الشهداء متراصين سواء كان من البوليس أو من الشعب فكان المصريون جميعًا يبكون رجالهم الأبطال وتوالت الأخبار عن حماس الإسماعيلية فالكل أصبح خلية واحدة تعمل ليل نهار ولا تكل، الحماس الوطنى الذي غلف أجواء المدينة هناك قلل من حجم الخسائر المصرية وكذلك هونت عليهم فراق ذويهم وشعر المواطنون بالأمان في ظل تواجد رجال البوليس هناك الذين لم يخذلوهم بل كان لهم الحماية من بطش الاحتلال، استمر الحال هكذا لأشهر تودع مصر شهداءها الأبرار وتنتفض في نفس اللحظة لردع الاحتلال حتى صمم الإنجليز التخلص من البوليس المصرى وترحيله من جميع بلوكاته لكى تكشف الغطاء المادى والمعنوى للفدائيين وتمنع الحماية عنهم.

فقررت إخراج الجنود والضباط من البلوكات وترحيلهم خارج مدن القناة ولكنها اصطدمت بشراسة رجال البوليس المصرى في وجهها ورفض الخروج بل إعلانه التحدى ومواصلة حماية المدينة ومحافظتها، هنا بدأت الحرب على رجال الشرطة المصرية فجمع الاحتلال كل ما يستطيع جمعه من تعداد وعتاد أمام مبنى المحافظة وبلوكات البوليس موجها لرجال مصر الإنذار بالخروج وتسليم السلاح، ظل الشعب المصرى يتابع موقف رجاله الأبطال بل تناقلت أخبارهم بسرعة البرق للعالم أجمع، زاد إصرارهم لموقفهم رفض وزير الداخلية ترك أماكنهم فكان الرد كالصفعة على وجه الاحتلال وصاح في وجههم الضباط المصريون قائلين ( لن نسلم إلا جثثًا ) ازداد جنون الاحتلال ففتح النار على المبنى الصغير الذي سينهار من قوة المدافع والدبابات والطائرات فوق رأس البوليس وأصبح الوضع بالنسبة لهم موتا لا محالة لكن بعزة وكرامة.

بالطبع كانت الحرب غير متكافئة بين البوليس المصرى وجيش الاحتلال سواء على صعيد الأسلحة البدائية للبوليس المصرى في مقابل الدبابات والطائرات والمدافع والبنادق وكذلك على صعيد تعداد الأفراد فقد جمع الاحتلال كتائب كثيرة ليضمن نجاح المعركة وقد انتهت المعركة بحصد الكثير من شهداء الأبطال المصريين وعندما خرج الباقون عند انتهاء الذخيرة قامت المدفعية البريطانية برد التحية لهم وكذلك انحنى الجميع لهؤلاء الأبطال البواسل الذين ضربوا أروع الأمثال في حب الوطن وحمايته.

صعدت أرواح الشهداء إلى بارئها تاركة وراءها صفحة من التاريخ حروفها تلونت بدمائهم الطاهرة لتروى لنا حكاية شعب كافح ضد الطغيان وتشهد على تلاحم أبناء الوطن جميعًا، وظل صمود البوليس المصرى عنوان راية الحرية التي ترتفع إلى عنان السماء كل عام في يوم الخامس والعشرين من شهر يناير، لذلك لن ينال من هذا اليوم العملاء والخونة وسيظل هذا اليوم تخليدًا لذكرى رجال مصر الفدائيين الأبطال ورمزا للتضحية بالروح محبة للوطن.
الجريدة الرسمية