رئيس التحرير
عصام كامل

خلينا فى الأدب !


طبعا من قبل لم أكن أتكلم في قلة الأدب. لكني أقصد لنبتعد عن السياسة، وما حولنا من قضايا اقتصادية واجتماعية هذه المرة ونتحدث في عالم الأدب.


منذ سنوات ظهرت في مصر والعالم العربي دراسات تعقد المقارنة بين الرواية والسيرة، وتنظر إلى الروايات باعتبار أن فيها شيئا من السيرة؛ لتعزز مقارنتها بين الاثنتين. صار السؤال النقدي بسرعة سؤالا صحفيا فكثير من الصحفيين يسألون كاتب الرواية عما فيها من حياته أو ما إذا كانت حياته أو ما عاشه قد تسرب إلى روايته.

كنت أري هذه المقالات وأمر عليها مرور الكرام ولا أحاول أن أقول رأيي فيها، فلا أحب التداخل مع النقاد في المناقشة؛ لأن ذلك يكون أفضل فيما بينهم. ثم إن العمل النقدي عادة في أبسط صوره يعقد صلة بين القارئ والعمل الذي يقرأه، كما قد يوضح للكاتب بعضا مما استغلق عليه، رغم أنه كاتبه أو بعضا ما لم يرد بذهنه مما كتبه وهذا صحيح، فالكاتب لا يعي تماما ما يكتبه بل وتكتب شخصيات الرواية فيها أكثر مما يكتب هو !

أعود إلى سؤال السيرة والرواية وأقول فيه رأيي لأول مرة. وهو باختصار لا علاقة للسيرة بالعمل الروائي أبدا. كيف إذن يكون ما يكتبه الكاتب مما رآه أو عاشه ولا وجود للسيرة. الرد ببساطة أن ما يكتبه من سيرته وخبراته حين يدخل في نسيج الرواية يدخل إلى عالم تختلف قوانينه عن قوانين كتابة السيرة. شخصيات الرواية – أقصد الرواية الجيدة – أكبر من كل سيرة وكل منها يصنع سيرته – حياته ومصيره الروائي بعيدا عن سيرة المؤلف - المؤلف حي يكتب، والشخصيات تموت أحيانا، المؤلف ليس شريرا والشخصيات فيها الشرير، المؤلف لا يعيش قصة حب والشخصيات تعيش قصة حب وهكذا..

ثم إن الرواية العظيمة لها رؤية للكون والحياة من حركة الشخصيات وفهمها ومن المكان والزمان. السيرة من البداية حديث مباشر إذا كتبت باليوم والساعة لكن إذا وجد اليوم والساعة في الرواية فهو يوم وساعة الشخصيات التي لا تنزع إلى المباشرة، بل تكون المباشرة أكبر عيوب العمل الفني، روائي أو قصصي أو شعري. وإذا تفشت السيرة في الرواية صارت رواية تافهة كما حدث في رواية مثل "سارة" للعقاد. وإذا كانت السيرة خلفية باهتة للرواية وترك المؤلف للشخصيات صنع عالمها كانت رواية عظيمة مثل ثلاثية محفوظ أو غيرها من الروايات التي يفوق عددها المئات في مصر والعالم العربي والآلاف في العالم.

ليس معني أن توفيق الحكيم مثلا كان وكيل نيابة وكتب روايته الفذة "يوميات نائب في الأرياف" أنه كتب سيرة. لقد كتب رواية. وهذا ما ميزه عن رواية ساذجة مثل سارة للعقاد كما قلت.. الأيام لطه حسين اقتربت جدا أن تكون رواية لكنها ظلت سيرة لما فيها من مباشرة ووضوح، وكانت من السير العظيمة حتى لو قيل إنها رواية. وفي روايات نجيب محفوظ كثير جدا مما عاشه، لكنها أبدا لم تكن سيرة. كانت روايات لها قانونها في البناء واللغة المختلف عن السيرة. هناك روايات تكتب بضمير المتكلم، ويقع الكثيرون في فخ أنها سيرة أو أقرب إلى السيرة دون النظر إلى بنائها الروائي الذي يجعلها مختلفة عن السيرة بما فيها من رؤي وخيال. وهكذا.
أكتب هذا الكلام وأعرف أنه لا فائدة فيه، فالأسهل على النقد البحث والتفتيش فهو بحق كثير الإثارة. وللقارئ كثير الإثارة جدا لكن الكتاب مظلومون. سيرتهم تتسبب في كتابة الرواية لكن الرواية الحقيقية لايمكن أن تكون سيرة.
الجريدة الرسمية