رئيس التحرير
عصام كامل

صاحبي الذي يسيء الاختيار دائمًا


صاحبي بطبيعته رجل هين ولين ومتسامح، علاوة على أنه متصالح مع نفسه ومع الآخرين.. رغم ذلك، لم يجد بدًا في لحظة فارقة أن يتخذ قرارًا بالابتعاد عن أصحابه وأحبابه الذين قضى معهم أكثر من نصف عمره الطويل.. لقد ترك أشياءً كثيرة عزيزة عليه من أجل الاحتفاظ بصداقتهم.. أكل معهم كما يقال "عيشًا وملحًا".. فكر طويلًا قبل الابتعاد..


كان القرار صعبًا عليه، وبعد تردد لم يجد في النهاية مناصًا من الحسم.. كان أولاده يعيبون عليه أنه لا يدقق في اختيار أصحابه، فقد اتضح أنهم بين كاذب ومخادع ومراوغ وغشاش ومضلل.. حاول أن يقنعهم بأن رأيه فيهم وقت الاختيار كان سليمًا وأنهم كانوا من الأطهار الأنقياء الأوفياء، لكن تقلبات الأيام وظروف الزمان فعلت فعلتها معهم وغيرت فيهم الكثير.. حاول الأب إقناعهم بصحة رأيه لكن دون فائدة.. ضحك الأولاد ونظر بعضهم إلى بعض نظرات ذات معنى..

قال أحدهم: يا أبانا أنت رجل "طيب".. أرجو ألا تفهمنا خطأ، لقد ضحكوا عليك.. خدعوك.. هؤلاء لا هم أطهار ولا أنقياء ولا أوفياء.. هم كبقية الناس، لا يختلفون عنهم في شيء.. يبدو يا أبانا أنك نسيت أن "سوء الظن من حسن الفطن"، وأن الظن ليس كله إثمًا.. ومن المؤكد أنه كانت هناك إرهاصات ومقدمات، لكنك لم تتبينها.. بالبلدي "فاتت عليك"، ولم تلتفت إليها.. أحسنت الظن بهم ووثقت فيهم، وما كان لك أن تفعل ذلك.. أنت فعلا رجل "طيب"..

حاول صاحبي أن يكرر المحاولة من جديد مع بعض شخصيات أخرى لعله يجد فيها عوضًا، فهو لم يعتد أن يبقى وحيدًا، ثم أنه يؤمن بضرورة التغريد داخل السرب، وإن أفقده ذلك جزءًا من حريته، لكن المحاولة باءت بالفشل.. لم يكتب لها التوفيق، واضطر الرجل إلى الابتعاد ثانية.. ثبت لديه بيقين استحالة وجود "الخل الوفي" في هذا الزمان..

لزم صاحبي بيته، فهو يقضي وقته كله بين القراءة التي يعشقها، عملا بالمثل الشهير "خير جليس لك في هذا الزمان.. الكتاب"، إضافة إلى مشاهدة التلفاز الذي أصبح ساذجًا وسطحيًا ومملًا.. التريض الذي كان يحرص عليه، هجره؛ بسبب عدم تنظيم الوقت، ناهينا عن المناخ.. من المؤكد أن القراءة أفادته كثيرًا.. جعلته يسيح في فضاءات كثيرة، فكرية وسياسية واجتماعية، فضلا عن إنقاذه من الوقوع - كما أغلب المصريين - في الإحباط..

في أحد الأيام لمعت في ذهنه فكرة.. لماذا لا يقتني كلبا؟! فالكلاب مشهور عنها الوفاء، وفي هذا تحكي قصص وروايات مذهلة ومدهشة.. إنها الصفة المفقودة أو الغائبة في هذا الزمان.. فكر كثيرًا.. ودارت في رأسه تساؤلات كثيرة، من نوع: أين يضعه، ومن أي فصيلة، وهل يكون صغيرًا أو كبيرًا، ذكرًا أو أنثى، وماذا بشأن أموره الحياتية، من طعام وشراب وقضاء حاجة.. إلخ؟!

إن صاحبي يسكن شقة في مجمع سكني، وليس هناك مكان مناسب يضع فيه كلبه الذي يريد اقتناءه، هذا فضلا عن النباح الذي سيحدثه الكلب وأثر ذلك في الجيران.. بدأ يتصفح "النت" ليجمع معلومات عن كل ذلك، عله يجد إجابات وافية.. لم يكن يومًا ما مشغولا بهذه القضية، لكن الحياة مليئة بكل عجيب وغريب.. تحدث مع بعض أولاده عن نيته.. رحبوا بالفكرة، فنحو ٦٠ إلى ٧٠٪ من أصدقائهم يقتنون كلابا.

علم أن هناك شبابًا يقومون بتربية الكلاب، ورعايتها، وإنتاج سلالات جيدة.. أخيرًا اشترى صاحبي كلبًا صغيرًا عمره نحو شهرين، لكن من تلك النوعية التي تعيش في سيبيريا.. لم يجد مناصًا من أن يضع الكلب في "بلكونة" شقته.. لم يكن ينبح، لكنه يعوي كما الذئب، وإن كان في فترات قليلة وغير مسموعة لبقية السكان.. وكان الوفاء مع كل من التقاهم، لدرجة أنه أصبح محبوبًا من الجميع، ثم هو لا يؤذي أحدًا، الأمر الذي أسعده كثيرًا، لكنه اكتشف شيئًا غريبًا وهو أن كلبه "مصلحجي"، يعني يعطي ولاءه لكل من أمسك بسلسلة قيادته! أسقط في يديه، لم يجد الوفاء الذي كان ينشده، وفي النهاية قرر أن يعيده إلى البائع الذي اشتراه منه، لأنه - كما العادة - لم يدقق في الاختيار!
الجريدة الرسمية