رئيس التحرير
عصام كامل

عبد الصبور شاهين يقع في فخ التكفير.. بما لا يخالف شرع الله!

 الدكتور عبد الصبور
الدكتور عبد الصبور شاهين

أثار الدكتور عبد الصبور شاهين جدلا عنيفا في منتصف تسعينيات القرن الماضى، عندما كان سببا مباشرا في أزمة الدكتور نصر حامد أبوزيد، داخل جامعة القاهرة، والتي سرعان ما تصاعدت وأخذت أبعادا غريبة، انتهت باتهام الأخير بالردة، وإجباره على ترك البلاد مع زوجته الدكتور ابتهال يونس، غير أن المثير أن الأيام دارت دورتها وواجه "شاهين" نفسه المأزق، لاحقا، مع كتابه "أبى آدم"، الذي اعتبره كثيرون من الأزهريين والسلفيين يتصادم مع ثوابت دينية وقرآنية راسخة.


عبد الصبور شاهين خاض التجربة بكتاب «أبى آدم» الصادر في أواخر التسعينات والذي تحدث فيه عن كون نبى الله آدم هو أبو الإنسان وليس أبا البشر والذين هم على حد وصفه خلق حيوانى في الأصل اصطفى منهم الله آدم ليكون أبا للإنسان وأباد البشر فلم يبق سواه فعدله وسواه بالنفخ فيه من روحه كما جاء في القران الكريم في قوله تعالى «فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين».

في الحقيقة إن الفكرة التي يحملها الكتاب مثيرة للجدل فقد سلمنا ولفترة طويلة بأن آدم هو أول البشر وأنه بلا أب ولا أم، ولكن المؤلف له رأى آخر فهو يرى أن آدم هو امتداد لسلالة بشرية ضاربة في القدم ولكنها لم تكن تملك العقل ولم ينفخ الله سبحانه وتعالى فيها من روحه وأن هذه الفصيلة البشرية أخذت تتطور مع مرور الزمن حتى اكتمل تطورها فبدأ خلق آخر وهو "الإنسان" الذي هو امتداد لفصيلة البشر ولكنه يختلف عنها بأنه يملك العقل، فكان آدم عليه السلام هو أول "إنسان" حيث اصطفاه الله تعالى من بين بقية البشر ونفخ فيه من روحه وحمله الأمانة وأمر الملائكة عليهم السلام بالسجود له فأستخلف الله سبحانه وتعالى الإنسان "آدم" في الأرض وانقرضت بقية فصيلة البشر كما انقرضت الديناصورات وغيرها، ويدلل على رأيه من خلال تفسيره لآيات قرآنية ومن خلال المستحدثات المكتشفة والتي يعود بعضها لملايين السنين ويطلق عليها "إنسان جاوة، إنسان بكين، إنسان نياتندرال" والمؤلف طبعًا يرفض تسميتها بـ "إنسان" فتسمية إنسان لا تنطبق سوى على آدم وبنيه أما ما قبل آدم فهم بشر ولكنهم ليسوا "أناسي"، فكل إنسان بشر ولكن ليس كل بشر إنسانًا، ومع ذلك فهذا لا يعنى أن الكاتب يؤمن بنظرية دارون بأن الإنسان تطور من القرد"
أكد الكاتب في مقدمة كتابه أن رؤيته مرتكزة على آيات منزلة ولا يخرج قيد أنملة، على حد وصفه، عن المعنى القرآنى كما أنه لا يناقض في نتائجه أي حديث صحيح في السنة المحمدية نصا أو تأويلا.

كانت نظرة الكاتب الجديدة في قصة خلق الإنسان هي السبب الرئيسى وراء المشاكل التي اثارها الكتاب حيث ناقض ما كان راسخا في الفكر الإسلامى من كون ادم هو أبو البشر قائلا: "وجدنا أكثر المفسرين للقرآن يرددون ما ذكرته الإسرائيليات ترديدا حرفيا، دون أدنى محاولة تعرض مضمونها على العقل وتغربل ما حفلت به من خرافات وأساطير".

وأشار شاهين في رؤيته إلى أن خلقا كان موجودا على سطح الأرض قبل أن يصطفى الله آدم للنهوض بأمر الدين فأبادهم جميعهم واختار آدم لينفخ فيه من روحه ويبدأ تكليفهم بمهمتهم من داخل الجنة.

ويستدل الدكتور عبد الصبور في إثبات رؤيته بآيات من القرآن الكريم موضحا أن وجود بشر قبل الإنسان، متمثلا في ادم، هو ما دعا الملائكة لأن يقولوا لله عزوجل "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء" موضحا أن هذا كان قبل أن يختار الله آدم ويعدله ويسويه بأن ينفخ فيه من روحه ليمتاز بالعقل والتحضر وهو ما جاء في قوله تعالي: "فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين" وخلاصة ما أراد قوله هو أن نبى الله آدم ولد من أب وأم بشريين وبعدهما تطور هو ليصبح أبا للإنسانية.

حاول المفكر الإسلامى الكبير أن يبرهن على نظريته بآيات من القران وإثباتات من اللغة قائلا بين سطور كتابه: "الإنسان هو المقصود من التكليف الدينى.. والبشر، وهم طلائع الخليقة، لا مكان لهم في علمنا، لأنهم بادوا ودرست آثارهم فلم يبق منهم سوى احاديث واحافير تدل على انهم كانوا موجودين منذ عصور جيولوجية متقادمة.

وبعيدًا عن الدعاوى القضائية التي أقيمت ضد "شاهين" فضلا عن دعاوى الإلحاد والتكفير، فقد شكل مجمع البحوث الإسلامية لجنة علمية للنظر في كتاب «أبى أدم، قصة الخليقة بين الأسطورة والحقيقة»، حيث أكد التقرير أن النصوص القرآنية في شأن خلق آدام - على كثرتها - لا تعالج التفاصيل التي تبين كيفية الخلق، كما لا تحدد المسافات الزمنية التي أحاطت بمراحل ذلك الخلق، لذلك لا يمكن لباحث قديم أو حديث أن يقطع فيه برأى حاسم تؤيده نصوص قطعية الدلالة، أو تؤيده شواهد علمية نظرية أو تجريبية تبلغ في دلالتها مرتبة اليقين العلمي.
يقول التقرير الذي أعدته لجنة علمية لمجمع البحوث الإسلامية أن البحث الذي قام به الدكتور عبد الصبور شاهين هو محاولة لفهم النصوص التي جاءت في القرآن الكريم، وهى قطعية تروى وقائع قصة الخلق وأيضا للتوفيق بين التصوير القرآنى والاتجاه العلمى في تصوير الحياة البشرية على هذه الأرض.

وقال التقرير إنه لا حرج علينا في هذا مادمنا نرعى قداسة النصوص المنزلة، ومادمنا لا نخالف معلوما من الدين بالضرورة، ومادمنا تقدم رؤية عقلية تحترم المنطق، وتستنطق اللغة من جديد وتدعم إيمان المؤمنين بما ينطوى عليه كتاب الله من أسرار قد تكون خفيت عن بصائر ذوى التمييز، ثم أذن الله سبحانه لبعض السر أن ينكشف وللرؤية أن تتجلى.
وحسب تقرير مجمع البحوث الإسلامي، فإن ما انتهى إليه المؤلف في موضوعه يتلخص في كون الحياة على الأرض قد سبقت خلق الإنسان بآماد طويلة يصعب تحديدها، وأن الإنسان الذي كرمه الله وأمر ملائكته بالسجود له امتداد لمخلوق واحد هو البشر، وليس كما تقول نظرية النشوء والارتقاء، حلقة في سلسلة تطور كانت القردة فيها حلقة سابقة، ثم تطورت إلى أن صارت الإنسان الذي نعرفه.

وبخصوص أن الله خلق البشر من طين، ولكن ليس في آيات القرآن ما يقطع بأن آدام قد خلق مباشرة من ذلك الطين، وأن الاستعمال القرآنى لكلمة بشر، يدل على كائن سابق في الزمان وفى الكيف على الإنسان، كما أنه لا حاجة إلى تحديد حقيقة وطبيعة الطين الذي خلق منه البشر، فالقرآن يعبر عنه تارة بالتراب. وتارة بأنه طين لازب وثالثة أخرى بأنه صلصال كالفخار، أو أنه صلصال من حمأ مسنون.

ويجمع المؤلف رأيه كله -كما يقول تقرير مجمع البحوث الإسلامية- في قوله بأن خلق الإنسان بدأ من طين، أي في شكل مشروع بشري، ثم استخرج الله منه نسلا "من سلالة من ماء مهين" ثم كانت التسوية ونفخ الروح، فكان الإنسان هو الثمرة في نهاية المطاف عبر تلكم الاطوار التاريخية السحيقة.

وبخصوص مراحل التسوية، استدل الدكتور عبد الصبور شاهين بقوله تعالى "ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والابصار والافئدة" وقوله: "والله اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والابصار والأفئدة"، ليقول أن هذا الجعل قد تم خلال مراحل التسوية، وان الله تعالى جعل للبشر هذه الادوات في مراحل التسوية المتعادلة حيث شاءت القدرة أن تزود هذا المخلوق البشرى بما يحتاج اليه من أدوات الكمال.

أما بخصوص آدم وعلاقته بما كان قبله من المخلوقات فيقول صاحب الكتاب: أنه يستطيع أن يقرر مع علماء الإنسان أن الأرض عرفت هذا الخلق الذي ظهر على سطحها منذ ملايين السنين، وقد أطلق العلماء على هذا المخلوق خطأ أو تجاوزا لفظ «إنسان» فقالوا «إنسان بكين»،أو «إنسان جاوه» أو «إنسان كينيا».واستخدام لفظ " إنسان" في وصف هؤلاء ليس الا على سبيل التوسع، والا فاللفظ الدقيق بلغة القرآن، والذي ينبغى أن يستخدم في تسمية تلك المخلوقات العتيقة التي تدل عليها الاحاديث هو البشر.

في اجتهاده، يرى الدكتور شاهين أن خلق الإنسان تم عبر ثلاث مراحل هائلة هي: الخلق، التسوية، النضج، وأن مرحلة الخلق الأول هي التي أحالت التراب أو الطين إلى مخلوق ظاهر (بشر) يتحرك على الأرض بالروح الحيواني، كما تتحرك سائر الكائنات، ثم تناولت القدرة ذلك المخلوق في المرحلة الثانية بالتسوية أو ما يمكن تشبيهه بهندسة البناء وتجميله، وهى مرحلة التعديل المادى أو الظاهر، وقد استغرقت ملايين السنين، ثم جاءت المرحلة الثالثة، وهى المتمثلة في تزويد المخلوق السوى بالملكات والقدرات العليا التي جوهرها العقل، وبذلك اكتمل مشروع بناء الإنسان، فكان آدم هو أول الإنسان وطليعة سلالة التكليف بتوحيد الله وعبادته.

اللجنة التي درست الكتاب، ترى بعد الوقوف على مضامينه أن المؤلف حاول التوفيق بين العلم والدين بقدر ما ترى فيه اجتهادا منه في فهم النص القرآني. وهو اجتهاد لا توافق اللجنة المؤلف على بعض أجزائه، حيث لا يكفى ما ساقه في هذا التدليل ليقرر النتائج التي انتهى إليها، وإذا كانت اللجنة قد حددت مهمتها بأنها بيان ما إذا كان المؤلف قد تجاوز الحد في تأويلاته للنصوص القرآنية، تجاوزا يخالف به ثوابت العقيدة أو يتناقض مع ما هو معلوم من الدين بالضرورة، فإن الذي تنتهى إليه اللجنة أن المؤلف لم يقع في مثل هذه المخالفة.
الجريدة الرسمية