رئيس التحرير
عصام كامل

من القاتل ؟!


من قتل المتظاهرين ؟ سؤال سيظل يتردد صداه طويلا.. ليس لأنه بغير إجابة، وإنما لأننا لا نريد أن نري الإجابة !! نريد أن يظل السؤال مطروحا ليولد أسئلة أخرى.. من قتل المتظاهرين بعد سقوط الشرطة وانسحابها من المشهد؟ ومن قتل ضباط وجنود الشرطة غدرا وغيلة وبدم بارد ؟ ومن قتل ضباط وجنود الجيش في حوادث مصطنعة ؟ من قتل، ومن قتل ؟ دائرة جهنمية ندور داخل حدودها لأجل غير مسمي رغم أننا نعرف ما جري !! 

هل خرج أهالي الضحايا احتجاجا على أحكام البراءة أم احتجاجا على غياب القاتل الذي ارتكب هذا القتل، أم احتجاجا على خوف الجميع من إعلان الحقيقة التي يعرفونها ويعرفها أهالي الشهداء والمصابين ؟! 

لماذا لم يخرج أهالي الشهداء من الضباط والجنود من الجيش والشرطة لطرح نفس السؤال: من قتل أبناءنا وآباءنا ومن سفك دماءهم ؟! هل لأنهم سعداء بأحكام البراءة التي لا معقب عليها أم أنهم يعرفون من قتل ويقتل فيهم كما يعرف أهالي الشهداء والمصابين من المتظاهرين.. في الحالتين القاتل واحد وصاحب المصلحة واحد.

السؤال الأهم ما الفرق بين مصري ( مواطن عادي – ضابط – جندي من الجيش أو الشرطة ) قتل بدم بارد قنصا وغدرا وغيلة، وبين مصري قتل بسبب المرض والإهمال في مستشفى حكومي لم يجد فيه قليلا من علاج، ومصري شنق نفسه من قلة حيلته وعجزه عن مواجهة ضرورات الحياة، ومصري مات وهو على قيد الحياة بصمته العاجز عن الفعل أو – حتى – رد الفعل ؟ 

من سقطوا قنصا وغدرا تفرق دمهم بين فاعل أصلي أراد الوصول لهدفه مهما كان الطريق ممهدا بالدماء، وبين فاعل مأجور ليس بينه وبين من قتل عداوة أو ثأر شخصي فعل فعلته وقبض الثمن واختفي في الزحام، وربما عاد مسرعا ليتاجر بدم من قتل، وبين فاعل محرض قبع في مكمنه أو خلف ستار واستخدم أدوات الخسة والعار لتأجيج حالة كان لا يريد لها الاستقرار، وبين فاعل شاهد ورأي ما حدث وامتنع عن قول الحق وتقديم شهادته خوفا من عقاب أو طمعا في مناب، وبين فاعل مسئول لم يقدم كل ما لديه من أدلة ووثائق وصور لتكتمل أركان القضية التي تنظرها المحكمة !

وأما من سقطوا ويسقطون أمواتا مع سبق الإصرار من الفشل الكلوي والالتهاب الكبدي (سى ) والسرطان والإهمال نتيجة الفساد الذي تمكن من جسد النظام الإداري للدولة طوال عقود مضت، ومن سقطوا في دوائر الإحباط واليأس فأخذتهم إلى الإدمان والضياع والانخراط في الجريمة المنظمة وغير المنظمة نتيجة غياب العدالة الاجتماعية وتراجع دور حكومات كانت تعمل لحساب فئة قليلة دون غيرها، فهؤلاء نعرف من قتلهم..

قتلهم نظام كامل تدثر بصورة زائفة وراء نمو اقتصادي لم يعرف طريقه لفئات معدومي ومحدودي الدخل أو – حتى – الطبقة المتوسطة التي سقطت في القاع فتخبط بسبب سقوطها المجتمع ورسم صورة زائفة خادعة هلل لها وروج لبيعها إعلام مصاب بالعمى أو العور في أحسن تقدير وبارك زواج المال بالسلطة على طريقة ( المحلل ) لتزداد الثروات ويصبح ما يتعطفون به على الغلابة من قبيل الكرم العظيم والريادة في المسئولية الاجتماعية فحكموا البلاد وسيطروا على العباد وتحول الصغير من التجار إلى شاهبندر التجار، والطبال إلى مايسترو أوركسترا الفساد !!

هل لدينا قانون يحاكم هؤلاء الذين تجب محاكمتهم ؟ هل لدينا التذوق الذي يجعلنا لا نشرب من مياه البئر المسمومة مرة أخرى ؟ هل لدينا القدرة على مقاومة قطعة الجبن الرومي فلا ندخل وراءها المصيدة ؟ هل لدينا الوعي نختار برلمانا صح يستطيع معالجة ما جري وتصحيح ما يمكن تصحيحه ؟ كلنا مشاركون بالفعل أو بالصمت العاجز أو الخوف.. القاتل معروف.. معروف.. ومازال يمارس القتل ( وبلاش ) نلف وندور ونجعله يركب الموجة من جديد.
الجريدة الرسمية