رئيس التحرير
عصام كامل

«عم رمضان» يروى حكاية ٣٠ سنة أمام النار

فيتو

بين النار والعرق تذوب سنوات عمره أمام وهج «الفرن البلدي» ليخرج لقمة العيش سواء لنفسه عن طريق اليومية أو الراتب الشهري، أو للناس ممن يقفون أمام الفرن في انتظار رغيف الخبز.. تلك المهنة التي باتت على وشك الانقراض بعد تحول عدد كبير من المخابز إلى العمل بالنظام الآلى أو النصف آلى وهو اتجاه الدولة منذ سنوات طويلة بسبب عمل المخابز البلدية بالمازوت وتلويثها البيئة وتحويلها إلى العمل بالغاز بعد ذلك، ولم تعد موجودة أفران بطاقة النار سوى عدد محدود جدًا بالإسكندرية ويتم العمل على إيقافها أيضًا في ظل المنظومة الجديدة للخبز.


«فيتو» التقت عم «رمضان محمد» وهو رجل قارب عمره على الستين عامًا لا يعرف غير عمله الذي أنهكه وجعل من جسده النحيف مرتعًا خصبًا للأمراض بسبب شدة الحرارة التي يقف أمامها، فهو ما زال يعمل بأحد الأفران ذات طاقة النار بمنطقة الهانوفيل غرب الإسكندرية وهو تقريبًا الفرن الوحيد الذي ما زال يعمل بــ»طاقة النار» بالمنطقة بالرغم من وجود سير نصف آلى به إلا أن أصحابه ما زالوا يعملون بالنظام القديم أيضًا وعلى وشك إيقاف النظام القديم لارتفاع تكاليف العمل به.

يقول «عم رمضان»: أعمل منذ أكثر من 30 عامًا في هذه المهنة، ورثتها عن والدى فهى تحتاج للصبر الشديد للوقوف أمام النار، بالإضافة إلى اليقظة الشديدة لأن عدم الانتباه «للعجين» داخل طاقة النار معناه احتراق الخبز وخسارة لى وللمخبز.

ويشير عم «رمضان» إلى أن مهنة «الفران البلدي» من أصعب المهن لأنه يواجه النار مباشرة، وهو من يتحكم في طاقة النار، ولو حدث أي انسداد في خروج النار من الممكن أن تتسب في انفجار شديد وأصيب فيها ومن الممكن أن تؤدى إلى الوفاة لا قدر الله.
ويكمل قائلا: أتذكر في إحدى المرات كادت طاقة النار أن تنفجر وأخرجت نارًا خارج الطاقة وكادت أن تتسبب في إحراق وجهى وصدرى ولكن لطف «الله» حال دون ذلك وتمكنت من السيطرة على الأمر واحترقت يدى فقط.

ويضيف: أنا كنت متزوجًا وتوفيت زوجتى وقمت بتربية أولادى الأربعة، 3 بنات وولد واحد، منهم من أكمل تعليمه إلى المرحلة الثانوية ومنهم من لم يكمل، وقمت بتزويج الفتيات والولد أيضًا من خلال عملي، هذا بعد كفاح طويل على مدى السنوات الماضية، وأعيش في شقة إيجار قديم بإحدى المناطق الشعبية بنفس الحى بمبلغ 150 جنيهًا وكانت بـ50 جنيهًا ورفعها صاحب المنزل، ويقيم ابنى معى فيها وهو متزوج ومعه طفل ويعمل بإحدى الشركات ولا يكفيه الراتب لنصف الشهر حتى.

ويوضح «عم رمضان» أن زمان كانت اليومية التي يتقاضها لا تتجاوز 25 جنيهًا يوميًا وكانت تكفيه وتزيد، أما الآن فإنه يتحصل على يومية تتراوح بين «50» و»60» جنيهًا ولا تكفى أي شيء مواصلات أو مصاريف المنزل أو العلاج، فبوجود ابنى معى أصبحت أعول تقريبًا نفس الأسرة من أربع أفراد، مشيرًا إلى أنه يعالج من الضغط والسكر وبعض مشكلات في القلب وأغلب الراتب يضيع على الأدوية، والأطباء الذين أصبحوا جزارين.

ويقول: أكثر ما يؤلمنى هو أن المهنة أصبحت بالفعل تنقرض ومنسية، ولا أحد يقدرنا أو يعلم ماذا نفعل ليأكل الناس الخبز، وأعلم أن أصحاب المخبز لا يريدون إغلاق طاقة النار بسببي، وهذا ما يجعلنى أعمل وأكد في العمل ولا أتغيب تقديرًا لهذا، ويختتم قوله مش عاوز حاجة من الدنيا غير أن أموت واقف على رجلى وأشوف ابنى مستقر وأولادى بخير، وسأظل أعمل طالما أقدر على هذا، وكل ما أخشاه أن يتوقف المخبز في ظل الظروف الحالية وضغوط الحكومة لوقف العمل بالمازوت.
الجريدة الرسمية