رئيس التحرير
عصام كامل

«بيت السناري» تاريخ من الثقافة.. أنشأه «سوداني» يعمل بالسحر.. كان مقرًا لبعثة الحملة الفرنسية العلمية.. به أبحاث ورسوم «وصف مصر».. ضم مكتبة نابليون بونابرت.. يحتضن كتاب &

بيت السناري الأثري
بيت السناري الأثري بحي السيدة زينب بالقاهرة

يعد "بيت السنارى" من المعالم التاريخ الرصينة التى لا يعرفها كثيرون، فالبيت الأثري الذى يقع بحي الناصرية في السيدة زينب وتحديدا نهاية حارة غير نافذة تعرف حاليًا بحارة "منج"، أسسه "بواب" سودانى.


إنشاؤه
يرجع تاريخ إنشاء الدار إلي عام 1209 هـ - 1794 م وقام بتأسيسه إبراهيم كتخدا السنارى ولقب بالسنارى نسبة لمدينة سنار السودانية، "السنارى" كان ينحدر من قبائل البرابرة بــ"دنقلة" في السودان، وكان السنارى قد انتقل إلى دلتا مصر وتحديدا مدينة المنصورة ،وكان يعمل بوابا هناك فى بداية حياته، وتعلم القراءة والكتابة وعمل فى كتب السحر والتنجيم فذاع صيته بين العامة والخاصة، ثم ذهب بعد ذلك الى الصعيد وعمل مع مصطفى بك الكبير، أحد المماليك فى ذلك الوقت ، ثم تعلم اللغة التركية ،وصعد نجم السنارى فى ذلك الوقت حتى أصبح من أعيان القاهرة. 

توالت طموحات السنارى إلى أن أصبح له مكانة وشأن فى عصره، وقد بنى منزله الذى يوجد الآن فى الناصرية وقام بصرف أموال على هذا المنزل حتى أصبح من أجمل المنازل فى عصره، وفى 1801 م، تم قتله بمدينة الإسكندرية مع غيره من الأمراء الذين كان حسين باشا القبطان العثمانى قد طلبهم للحضور إليه، فلما حضروا قتلهم ودفنهم جميعًا فى الإسكندرية.

البيت والفرنسيون
وبعد مقتل السنارى وقدوم الحملات الفرنسية إلى مصر تمت مصادرة البيت مِن قِبل الفرنسيين عام 1798 وذلك لتسْكين أعضاء لجنةِ العُلومِ والفنونِ، التي جاءتَ ببعثةِ نابليون العسكرية لإجراء دراسة منهجية للبلادِ.

وخصصت الحملة الفرنسية البيت لإقامة مصوريها وبعض العلماء منهم "ريجو" الرسام المشهور،وبه صنعت الأبحاث والرسوم القيمة التي نشرت في كتاب "وصف مصر"، وبعد أن أكتشف الضابط الفرنسى "بوشار" لحجر رشيد، تم نقله إلى هذا البيت، حتى جاء العالم الفرنسي جيان فرانسوا شامبليون وفسر هذه اللغات بعد مضاهاتها بالنص اليوناني ونصوص "هيروغليفية" أخرى، وهذا يدل على أن هذه اللغات كانت سائدة إبان حكم البطالمة لمصر لأكثر من 150 عامًا، وكانت اللغة المصرية القديمة هي اللغة الدينية المقدسة المتداولة بالمعابد، واللغة الديموطيقية كانت لغة الكتابة الشعبية (العامية المصرية)، واليونانية القديمة كانت لغة الحكام الإغريق، وكان قد ترجم إلى اللغة اليونانية لكي يفهموه، وكان محتوى الكتابة تمجيدًا لفرعون مصر وإنجازاته الطيبة للكهنة وشعب مصر، وقد كتبه الكهنة ليقرأه العامة والخاصة من كبار المصريين والطبقة الحاكمة، عبر القرون.

متحف بونابرت.. "مكتبة نابليون"
فى المدة ما بين 1917 و1926 م أقام "جلياردوب" متحفًا داخل البيت وأطلق عليه "بونابرت" وأغلق بعد وفاته ثم أخلى سنة 1933 م، وكان المتحف يضم مكتبة نابليون بونابرت قائد الحملة الفرنسية، وتحتوي مكتبة جالياردو على عشرة آلاف الكتب منها الخطية والمستندات الرسمية والكتب النادرة التي يرجع تاريخ طبعها إلى 500 سنة.

كما ضم البيت بعض الغرف، أولها الغرفة الصغيرة التى تحتوي على مجموعة صور لوقائع بونابرت الحربية في مصر، مثل نزول العساكر من ميناء تولون، وواقعة الأهرام لمصورين مختلفين، وواقعة أبي كبير، بالإضافة إلى صور وقائع بونابرت في الشام وأخصها واقعة عكا، وصورة مارسل، وثورات المصريين على الفرنسيين في القاهرة، كما تحتوي الغرفة على أسلحة فرنسية وتركية ورمانات مما استعمل في حرب بونابرت.

أما الغرفة الثانية فهي عبارة عن دهليز موصل إلى الغرفة الثالثة، وتحتوي على صور بعض الإنجليز المعاصرين لبونابرت ومن كانت لهم علاقة به، مثل نلسون وسدني وسميث.

 وتضم الغرفة أيضًا صور سخرية وكاريكاتير مما صوره الإنجليز للسخرية ببونابرت ورجال حملته على مصر، كما يوجد بها بعض كتب إنجليزية عن الحملة الفرنسية على مصر، أما الغرفة الثالثة، فقد علقت على جدرانها صور عن الصناعات المصرية وميداليات من أيام بونابرت وقطع رخام وخزف من الفسطاط.

وتضم الغرفة الرابعة نسخة مخطوطة من كتاب تاريخ الجبرتي، وكتابًا لم يطبع منه إلا 500 نسخة يحتوي على محاكمة الحلبي (قاتل كليبر) بالفرنسية والعربية والتركية، وصورة حجرية من حجر رشيد المشهور أهداها المتحف البريطاني إلى جالياردو بك بمسعى اللورد اللنبي، وصورة زيتية ملونة لطابية رشيد التي اكتشف فيها شامبليون حجره المشهور.

بعد حريق المجمع العلمى بمنطقة قصر العيني وسط القاهرة، فى ديسمبر 2011 أثناء فض اعتصام مجلس الوزراء، احتجاجًا على تعيين كمال الجنزورى رئيسًا للوزراء، تم نقل محتويات المجمع المتبقية من الحريق إلى بيت السنارى.
الجريدة الرسمية