رئيس التحرير
عصام كامل

«المارقون»..نهاية عصر الكتابة الساخرة

فيتو

لا يختلف اثنان ولا يتناطح عنزان، على أن هناك بونا شاسعا، بين جيل العمالقة من الكتاب الساخرين، من: البشرى والمازنى وجلال عامر ومحمود السعدنى وأحمد رجب، وبين الجيل الجديد ممن ينسب نفسه إلى الكتابة الساخرة، وليس في ذلك انحياز للماضى، وإنكار للواقع، ولكنها حقيقية لا تخطئها عين محايدة، وتؤيدها دلالات كثيرة، وأسباب عديدة.. نرصدها في التقرير التالى..


هذه القناعة ترسخت لدى المتابعين والناشرين وعموم المثقفين بعد ظهور نوعية معينة من الكتابة تنسب نفسها قهرا للكتابة الساخرة، ولكنها في حقيقة الأمر كتابة مبتذلة في عناوين كتبها ومضامينها، وليس أدل على ذلك من كتب عناوينها: «حمرا» و«عابر سرير» وغيرهما كثير، وتطور الأمر وتعقد، إلى الحد الذي سمح لأحد هؤلاء الساخرين المارقين الخارجين عن ملة الكتابة الساخرة، التي وضعها محمود السعدنى، وتوفيق الحكيم وأحمد رجب، وسمح لنفسه أن يسمى كتابه «مصر مش أمى مصر مرات أبويا».
لم يستفق النقاد من كابوس أسماء الكتب السابقة حتى فوجئوا بـ«قرش حشيش، و«بلد متعلم عليها»، و«مصر التي في جيبى وفى فمى»، وأخيرًا «الحتة بتاعتى».
هل كل أسماء الكتب السابقة، كانت كفيلة بتغيير اتجاه الكتابة الساخرة، هل كفر الكتاب الجدد بدين آبائهم، واتبعوا خطا جديدا في السخرية؟

بلال فضل و«ست الحاجة مصر»
«لو كنت بتسأل الكتاب ده إتكتب قبل الثورة ولا بعدها، فأنا هسألك سؤال، إنت إشتريت الكتاب ده، ولا نزلته من على النت، لو نزلته من على النت يبقى إقراه وإنت ساكت، ومش هقولك».
كانت هذه مقدمة بلال فضل، التي خاطب فيها قارئ كتابه «ست الحاجة مصر»، وتناول فيه مصر أمه لكن بعد أن عاد من الحجاز تقريبًا، أو هكذا كان يرى.
بلال،الذي يتهمه البعض بأنه ممن أفسد السينما المصرية، يتميز بأسلوب يحبه بعض الشباب، فهو الوحيد الذي عرف «بنى بجم»، و«السكان الأصليين لمصر»، و«ما فعله العيان بالميت»، وماذا تعنى «ضحك مجروح»؟ ما بين الأقواس بعض عناوين كتب بلال فضل.
يحرص بلال ذو الأصل اليمنى على أن يتخم كتاباته، حتى الجاد منها، بالايحاءات والإشارات الجنسية، كما يتقن لغة الحوارى، وعندما يتطلب الأمر يصبح مثقفًا أيضًا.

«محمد توفيق»
محمد توفيق، الحكم الذي علق على مباراة «مصر»، وهى بتلعب في أشهر كتبه «مصر بتلعب»، العنوان الساخر للمضمون الجد.
يبدأ توفيق التعليق على المباراة من سنة 1919، التي يقعد فيها الشعب المصرى على المدرجات يشاهد الاحتلال البريطانى وهو يغير نظام تعليم الثانوية العامة، فتقوم الثورة.
إعتبر توفيق «أحد الساخرين الجدد» أن شعبه المصرى تحول إلى جمهور ينام في المدرجات ولا ينزل أرض الملعب للاعتراض على قرارات الحكم عندما صدر وعد بلفور في 1917، واغتصبت القدس، وعادوا ولم يكن هناك صلاح الدين بين الجماهير الغارقة في النوم ليرد عليهم «عدتم فعدنا».
وبعد أن يعود الجمهور من البلكونة، بعد أن شرب الشاى أو السيجارة، نحب نقوله إن مصر في «2010»، رفعت شعار «الحق فوق القوة، والأمة فوق الحكومة» والأهلي فوق الجميع».
ونؤكد على أنه «سعد سعد يحيا سعد»، هتاف موضة قديمة والأفضل منه والأصلح للوضع الحالى هو «ارقص.. يا حضرى»، نعم السد العالى، ليس الذي في أسوان وإنما الذي يمنع أي كرة من دخول المرمى».
يرى الناس في الكرة «ساحرة مستديرة»، ويراها محمد توفيق «أفيون»، تستخدمه الحكومات لتخدير شعوبها وفعل ما يحلو لها، وللإفصاح عن هذا الرأى لم يكن هناك طريق غير السخرية، التي إتخذها توفيق طريقًا له حتى الآن.
توفيق يحب الكتابة عن أساتذته ومازالت جريدة التحرير، تشهد على رأيه في جميل عارف، وأحمد رجب، الذي وصفه بصاحب السعادة، ومحمود درويش، وأحمد بهجت.
لا يحب توفيق الإطالة في الكتابة، ولن نطيل عليكم، فقد نترككم من نصائحه لجمهوره، ونرجوكم أن تستفيدوا منها ومن بينها على سبيل المثال:: «عايز تهده هات له جدو»، و«عايز تغيظه هات له زيزو»، «وهكذا عزيزى القارئ يثبت لك بالدليل القاطع أن «المصرى معروف بقوته وبجبروته وبجدو وزيزو»..وهو بذلك لا يختلف عن سابقيه في السطحية المفرطة.

«عمر طاهر»
حان الآن موعد الحديث عن عمر طاهر، وفق التوقيت المحلى لـ«رصف مصر»، الكتاب الذي كتب شهادة ميلاد لعمر طاهر في سوق الكتب، على الرغم من أنه جمع فيه مجموعة من مقالات كتبها في جريدة الدستور.
عمر، لم يختلف عن كتاب جيله، فخرج عن القواعد بـ«شكلها باظت»، و«كابتن مصر»، الذي يؤكد عمر في مقدمته أن فشل «شكلها باظت» في السوق، فتح شهيته ليكتب «كابتن مصر»، وجاء من بعدهما «قهوة وشيكولاته»، و«إبن عبدالحميد الترزى»، و«رصف مصر»، الذي اعتمد فيه على صيغة السؤال والجواب لأسئلة لا إجابة لها.
تتسم كتابات طاهر، غالبا، بالتسطيح والاستظراف، خاصة عندما يطرح سؤالا يراه مهما، مثل: « ليه البنت بتفتح بوقها لما تيجى تحط مسكرة؟»- ليه فعلًا؟، و«ليه المصرى لما يكون في ريحة حاجة غريبة في العربية بيوطى الكاسيت علشان يسمع كويس؟»
وتستمر الأسئلة والإجابات والاعترافات الاستظرافية، ليعترف عمر بأنه «زملكاوى»، لكن ليس «صميم» لأنه كان أهلاويًا مثل باقى عائلته، وتحول لكائن حى «زملكاوى»، بعد أن تأكد أن الأهلي يكسب بالحكام».
وأهدى «عمر طاهر»، لفريقه الجديد كتاب «زملكاوى»، وعرف فيه جماهير النادي الأهلي «لماذا يكون الإنسان زملكاوى»، ولماذا «الزمالك قادم»، وما الذي أخره في الطريق، «شكله مش هيجى يا عمر»
وهكذا تدور كتب عمر طاهر في دائرة مغلقة من السطحية والاستظراف والسماجة أحيانا، حتى أنه يكتب أحيانا مقالات لا يضحك عليها أحد سواه.

«محمد فتحى».. ليك شوق في حاجة؟
لا..أبدًا..وكلا، وإياك أن تظن أننا سنتحدث عن بلطجى يرتدى ملابس مهلهلة ويقف في الحارة ليقول «لك شوق في حاجة»، عفوًا هذا أشهر كتب الكاتب الذي يصف نفسه بـ «الساخر محمد فتحى».
يعرفه بعض جيل الشباب، ويشتهر بالوقوف ليلًا ليشاهد «مصر من البلكونة»، يحب مصر كثيرًا للدرجة التي جعل اسمها ملازمًا لثلاثة من كتبه!
في البداية يقف مع مصر في البلكونة، وبعد فترة يقول لها: «دمار يا مصر»، وينهى العلاقة بينهما قائلًا « مصر وخلاص».
ويحاول محمد فتحى العودة إلى مصر حبه القديم فيكتب لها جوابًا، أو كما نسميه نحن كتابًا بعنوان «كان في مرة ثورة»، الذي صدر بعد ثورة 25 يناير»، حيث كتب: «تعرفت مصر على رجل، دخل حياتها، وصل إلى كرسى رئاستها، وجلس في قصره»، لم يكن هذا الرجل يروق كثيرًا لمحمد فتحى ولهذا كتب عنه: «مرسي ودموعه وإبتسامته»، وكلنا نعرف من هو مرسي.
محمد فتحى يحب الشعب الساخر، الذي يسخر من نفسه قبل أن يسخر منه الآخرون، ولأنه ابن بار لهذا الشعب فقد كتب في مقدمة كتابه الساخر «لك شوق في حاجة»، هذه «طبعة ملقحة»، بدلًا من منقحة.
وكان فتحى يدرى تمامًا أن هذه الطبعة ستظل «ملقحة» على الأرفف في المكتبات ولن يشتريها أحد، فسخر من نفسه وضحك عليها وأضحك الناس كذلك.. وما تقدم يبرز الفارق واضحًا بين الإنتاج الحديث من الكتابة الساخرة وبين إنتاج الكبار وآخرهم أحمد رجب.
الجريدة الرسمية