رئيس التحرير
عصام كامل

مواطنون أميون أم مواطنون حضاريون


المواطن الحضاري هو ذلك الذي يريد أن تكون حياته على الأرض، وما يقوم به من أعمال ومن تخطيط لنفسه في المستقبل، له إسهامه في الحضارة البشرية، له إنجاز يجعل من بلاده تتطور إلى الأمام، وفي تقديم منجزات للبشرية تُذْكَر دائمًا بالخير، لا يعني هذا أنه يجب أن يكون من العلماء الأفذاذ حتى يأتي بما لم يأتِ به غيره، وإنما يعني أنه على الأقل يعرف قيمة وقدر العلم والتعليم، ويعرف أيضا قيمة وقدر مراعاة مشاعر الآخرين ومراعاة سلوكياته بما لا يؤثر بالسلب على المجتمع، حتى إن كان موقعه الاجتماعي في هذا المجتمع في أدنى السلم الاجتماعي وفي وظائف قد لا تُعد مرموقة.


الحقيقة أن المجتمعات الحضارية عامة لا تنظر لأية وظيفة فيها على أنها وظيفة متدنية وصاحبها متدنٍ، لا شك أن هناك وظائف معينة لها قدرها، لكنها لا تمتلك منظور العداء تجاه بعض الوظائف بقدر ما هو موجود في مجتمعات أخرى ليست حضارية، والمواطن غير الحضاري، المواطن الأميّ حضاريًا، فليست الأمية هي مجرد أمية القراءة والكتابة، أحيانًا تكون هناك أمية قراءة وكتابة لكن حالها أفضل من متعلم قد تكون طبيعة عمله تفرض عليه التعامل مع طبقات اجتماعية متنوعة فيتعالى على بعضها، هذا الشخص حتى لو كان في أرفع الدرجات الوظيفية، هو أيضًا في الحقيقة أميّ حضاريًا.

تشير الإحصاءات الرسمية إلى قرابة الـ40% أمية قراءة وكتابة، وأعتقد أن الإحصائيات لو أجريت بشكل أكثر تقنينًا لزادت النسبة عن ذلك كثيرا، فهناك ارتداد للأمية عند من يتلقون تعليمًا متوسطًا، ثم يجلسون لسنوات لا يمارسون القراءة والكتابة في أعمال حرفية وغيرها، ولاحظوا أن الأمية لا تعني القراءة والكتابة، بل تعني أيضا المبادئ الأولية للعمليات الحسابية وأسس المعرفة البسيطة، وإذا ما أردنا أن نتجاوز ذلك للسؤال عن التعليم الحضاري، عن فهم الإنسان لموقعه في مجتمعه، وموقع مجتمعه من الثقافة العالمية، والتقدم البشري بعامة، لوصلنا لقناعة أن هناك أمية كبيرة جدًا في مصر، ومازلت أرى أن مفتاح الدخول للمستقبل هو معالجة هذه الأمية بخطة عاجلة.

خطة يشارك فيها الجميع متطوعًا وعلى مدى زمني لا يزيد عن 6 أشهر، ينزل فيها جميع المثقفين والمعلمين وطلبة الجامعات والأساتذة والممثلين وعازفي الأوركسترا والمحامين والصحفيين وكل من له شأن بالحضارة من قريب أو بعيد، ينزلون في خطة مدروسة إلى هؤلاء الأميين، في أسلوب راقٍ بالتحاور والنقاش والتعليم المباشر، لتحويل أكبر قدر في المجتمع من مجرد مواطن عادي، أو أمي، إلى مواطن حضاري، مواطن يستطيع أن يعرف تأثير سلوكياته على بيئته ومحيطه ومستقبله أيضًا.

سلوكيات الشعب المصري العامة بها الكثير من الجوانب الرائعة والراقية والجميلة، بها الكثير من بذور حضارية هي ما تمنع هذه الدولة من الانهيار حتى الآن، هي التي جعلت العقل الجمعي المصري يسارع لعمل لجان شعبية لحماية نفسه من الخارجين عن القانون في أوقات الانفلات الأمني، وهي ما جعلت الشعب المصري يزيح نظامين في أقل من ثلاث سنوات، هي ما جعلت الشعب المصري يدرك أهمية محاربة الإرهاب ومواجهة الخداع حتى لو كان الخداع يرتدي أشد الثياب تأثيرًا، مثلما قال أحمد شوقي: ارتدى الثعلب ثوب الواعظين.

لكن هذه البذرة لا تجد بعد السماد الكافي، ولا المياه الكافية لكي تنمو وتترعرع حتى نصل لطليعة حضارية تدفع هذا المجتمع ليس للتقدم والتطور فحسب، بل للبحث عن مكانة عالمية بالإسهام في دفع وتنمية الحضارة البشرية. يمكنني مؤقتًا أن أقول، إن هذا الهدف يجب أن يكون نصب أعيننا وركيزتنا الأساسية، في مواجهة تحديات عديدة متنوعة، وهذا الهدف يجب أن يكون أيضًا له داعمون من النخبة الثقافية ومن الشباب ومن الإعلاميين ومن كل الفئات المصرية، هل يأتي اليوم الذي نرى فيه أغلبية المواطنين المصريين.. مواطنين حضاريين ؟
الجريدة الرسمية