رئيس التحرير
عصام كامل

ماذا يريد الرئيس من الإعلام؟


لم يعد خفي أو سر أن الإعلام تحول إلى صداع يؤرق الرئيس خلال الفترة الماضية وأنه سيكون قضيته خلال الشهور القادمة.
يتحدث الرئيس السيسي في كل مناسبة –تلميحا أو تصريحا – عن أهمية الإعلام وتأثيره ورسالته في المجتمع..ويطالب الرئيس بنموذج إعلامي مصري يمثل دور وحجم مصر في العالم..كما يبدي انزعاجه من حجم السباب والشتائم التي أصبحت مادة ثابتة ومكررة على شاشات الفضائيات.


وإذا كان الرئيس يطالب بهذا النموذج وينزعج من التجاوزات فإننا نحتاج أيضا إلى أن نعلم ماذا يقصد الرئيس بالإعلام..هل هو الإعلام الذي يمثله رجال يتحدثون باسمه ويرهبون القاصي والداني بأنهم من المقربين من دوائر صنع القرار؟

هل يقصد الرئيس بالإعلام تلك "الكنتونات "التي يمتلكها بعض رجال الأعمال والتي تدافع بالحق والباطل عمن يمول ويدفع الرواتب ويمثل بعضها رأس حربة لبارونات الفساد والتجارة غير المشروعة ؟ أم يقصد الرئيس فضائيات الأفاعي التي تتحدث باسم الإسلام وترهب وتكفر من تشاء دون الخوف من قانون أو عقاب؟؟

هل يقصد الرئيس بالإعلام تلك الصحف التي تمولها ضرائب الشعب وليس لها رسالة سوى التسبيح بحمد الرئيس –وهنا لا أقصد الرئيس السيسي فقط – فقد سبحت بحمد جميع من سبقه بما فيهم الرئيس الأسبق مبارك والمجلس العسكري وقياداته وحتى المعزول مرسي ؟

الرئيس له حق الانزعاج بل وله أن يذكرنا بأن عبد الناصر " كان وراه الإعلام" وهذا نص ما قاله الرئيس في حفل افتتاح القناة.
ولن أخوض كثيرا في تفاصيل مزعجة قد لا تهم القارئ ويعلمها بالضرورة الرئيس السيسي بحكم منصبه السابق بداية من تعرض الإعلام للتدخل العميق من جانب الأجهزة الأمنية بمختلف انواعها وحتى سيطرة رأس المال وعدم وجود قانون لتداول المعلومات يسهل للإعلام العمل بصورة مهنية محترفة.

ولكني سأستغل احتفالنا بذكرى نصر أكتوبر وأستدعي هنا تجربة الدكتور عبد القادر حاتم وزير إعلام مرحلة الإعداد للحرب وفترة حرب أكتوبر وتهيئة الشعب لقرار مصيري.

تعلم الرجل من سابقيه واستوعب درس الهزيمة وما كان يعلنه الإعلامي أحمد سعيد الذي كان يمثل في الذهن المصري مرحلة التضخيم والتهويل وأستطيع أن أستخدم مصطلحا قاسيا هو " التضليل" بحكم ما ترتب على بيانات عسكرية غير واقعية وثبت كذبها بعد أن تكشفت وقائع نكسة يونيو 1967.

كانت التجربة "الحاتمية" تعتمد على الهدوء لا الضجيج وتعتمد على الصدق لا التهويل..استطاع الرجل بالتعاون مع رجال المخابرات العامة والحربية وضمير الصحفيين أن يصنع نموذجا إعلاميا دون تدخل أو منع..كان يوفر البيانات الصادقة ويترك الإعلام يتعامل معها.

تحمل الإعلام المسئولية عندما كانت هناك قضية تهم مصر..كان له دور واضح في مواجهة عدو واضح.
أما الآن فالإعلام يتم استخدامه –وهذا ليس بجديد- في تصفية حسابات..وتمرير مصالح وتصعيد شخصيات وتصفية معنوية للمعارضين.

الرئيس محق في أن يتمنى إعلاما نظيفا..لكن الحل ليس في الرقابة والمنع أو تحويل الكيانات الإعلامية إلى هيئات قابضة مثلها مثل المجمعات الاستهلاكية..وليس الحل أيضا فيما كان يخطط له بعض وزراء الإعلام السابقين في فتح نظام المعاش المبكر للإعلاميين..متناسين عمدا أن الإعلام مهنة إبداعية لا ترتبط بالسن..وإنه من العيب أن يقال إن هذا صحفي على المعاش أو مذيع على المعاش.

وأقولها لك واضحة ومخلصة يا سيادة الرئيس..إنك تحتاج لنموذج يستوعب تجربة الدكتور ثروت عكاشة في الثقافة..وآخر يستوعب تجربة الدكتور عبد القادر حاتم في الإعلام..ابحث عن عقلين مخلصين بحجم حرفية وإخلاص هذين الرجلين..فإذا وجدتهما فقد رزقك الله جناحين تطير بهما وانت مطمئن على مصر التي تريد أن تكون " قد الدنيا" وليست مصر التي تترنح بين شفاه وأقلام لا يهمها سوى حسابات البنوك ورضا الأصابع التي تحركها.
الجريدة الرسمية