رئيس التحرير
عصام كامل

بين سعد زغلول وحسن البنا


بعد ثورة ١٩ توحدت الأمة المصرية وأصبح سعد زغلول زعيمًا لها بكل أطيافها يلفها مفهوم الجماعة الوطنية والمواطنة، وجاء بعده حسن البنا سنة ٢٨ ليفرقها باسم الدين وليختص فصيله التنظيمى ليؤاخيه من بين باقى الأمة، كان سعد تلميذًا للإمام محمد عبده والأفغانى، معجبًا بحركتهما الإصلاحية المناهضة للاستبداد والظلم والاستعمار، بينما لم يغادر البنا هو ووالده نطاق الدعوة الوافدة للوهابية النجدية الحنبلية المتشددة المكرسة لكل ما جاهد سعد ضده وقاومه.


تأثر سعد بمهنته كمحام واعتبر الدفاع عن حق بلده في استرداد حريته قضيته الكبرى، فاتخذ من تابعيه زملاءً له وشركاء في فريق الدفاع الوطنى عن تلك القضية المصيرية، ولم يتعد البنا حدود مهنته كمدرس، فسعى لنشر رؤيته لمن حوله كمرشدٍ ومعلم، فاتخذ أتباعه تلاميذ ومريدين منقادين له في جماعته، واتكأ إلى مفهوم التصوف والإرجاء كمنهج تربوي باعتباره السبيل الأوحد لمفهوم الطاعة بلا تردد ولا مراجعة ولا تفكير، وبينما اعتقل المحتلون الإنجليز سعدًا لخطورته عليهم ونفوه إلى مالطة لم يتعرض المحتل أبدًا للبنا الذي نشأت دعوته وسط ثكنات الإنجليز وحمايتهم في الإسماعيلية، فلم تمثل حركته أبدًا في أصلها حراكًا ثوريًا أيديولوچيًا مناوئًا للمستعمر المحتل، ولمز أتباع البنا وإخوانه سعدًا وزملاءه بالعلمانية والإلحاد والزندقة لمجرد أنه دعا للوطنية والمواطنة، فعاشوا في خصومة مع وطنهم حتى سب آخرهم مصر والمصريين.

وفى الوقت الذي أنجبت فيه حركة سعد الوطنية شخصيات كبرى من العيار الثقيل في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة لم تظهر في حركة الإخوان بعد البنا شخصية مؤثرة في البنية المجتمعية سوى سيد قطب الذي حمل فكر التكفير والدمار والاتهام لأبناء وطنه من المصريين، وكان سبب كل البلاء الذي أصاب البلاد والعباد من بعده، ويوم مات سعد بكاه كل الشعب المصرى وشيعوه واكتتبوا بينهم لينشئوا ضريحًا له، فكان استفتاءً ضمنيًا يحمل الطريق الذي ارتضاه المصريون، وعندما قُتل البنا تجاهله المصريون وحمل نعشه نساء أسرته بليل، وصلى عليه أبوه وحيدًا، ودفن بعيدًا عن جماعته، ولم يخرج واحد منهم يطلب ثأره أو ينتقم له أو حتى يطلب التحقيق في مقتله حتى الآن !

الجريدة الرسمية