رئيس التحرير
عصام كامل

موسم الانتخابات النيابية.. وأفراح الحشيش


قبل أيام حظيت بالجلوس في أحد الأفراح بإحدى مناطق شرق القاهرة، وسط دخان لا يطير ولا تنعدم رائحته رغم المكان المفتوح، صوان كبير وفرقة شعبية وراقصة شارع محترفة تبدى من مفاتنها ما يستحيل أن يكون له علاقة بالرقص بالتأكيد، ونقوط تقيد في "كشكول"، وشباب يقومون بخدمة الضيوف على اختلاف أمزجتهم.

ولأننى دائمًا من ضحايا التدخين السلبى فقد نعمت أنفى وتشبع صدرى برائحة الحشيش، ليس من أجود الأنواع بالضرورة، وكان نصيبى من الفرح أنا وصديقى الذي اصطحبنى إليه مصادفة خلال جولاته الاجتماعية السابقة على ترشحه لانتخابات مجلس النواب المقبلة، طبق من الترمس المملح وعلبة عصير جوافة بـ"الشاليمو" طبعًا مثل الأطفال.

داخل مثل هذه الدوائر تلاحظ انفجار "مواسير" الزواج في المواسم الانتخابية، فكما يرى المرشحون الأفراح مناسبة للوصول لأصوات الناخبين، يراها شباب مفقر ماديًا ثرى بعلاقاته الاجتماعية فرصة لتوفير نفقات زواجه، ويراها كثير من أصحابها فرصة لجمع أو استرداد نقوط وسط تفاؤل كبير بزيادتها من قبل الغاوين.

فضولى توجه بشكل أكبر إلى معرفة خبايا أفراح الحشيش وكانت الردود جاهزة من صديق آخر "مثقف تمامًا":
فرش الحشيش يقاس بالسنتيمتر ومقاسات أخرى ويزن ربع الكيلو على الأقل، يتراوح سعره بين 2700 و3200 جنيه حسب جودته، وأكثر هذه الأفراح وجاهة تكلف أصحابها "كرتونة" أما الأفراح متعددة الأيام والليالى، نموذج ألف ليلة وليلة، فيشرب ضيوفها "كرتونتين" حشيش ثمن الواحدة يبدأ بـ 20 ألف جنيه.

وهناك فرح "الجمعية" الذي يوفر على صاحبه المال فيكون الحشيش "نقوطا" يحددها المتعهد بالفراشة والفرقة والمعدات والكيف بالاتفاق بين المجموعة المتعاونة، ويتكلف قرابة 50 ألف جنيه على الأكثر، ويدر دخلًا على منظميه من النقوط بما يزيد على 100 ألف، وهو إيراد تحدده جودة الحشيش المقدم إلى المعازيم، والتي تدفعهم حال "علو مزاجهم"، إلى إلقاء نقوط بأوراق مالية أكبر قيمة، رغم أن الخام "الأصلى" من الحشيش غير متواجد في هذه الأفراح خاصة داخل القاهرة والمحافظات العامرة.

مثل هذه الأفراح بأحياء العاصمة لا تقدم البانجو لضيوفها رغم رخص ثمنه، ففكرته ومزاجه مختلفان تمامًا، كما أن رائحته نفاذة و"تفضح" مدخنيه، لذا تتزايد فرص تعاطيه في أفراح الأرياف لأنه عشب غير مصنع.

لكن مهرجانات الشباب في الحارات المصرية وتتكون من مسرح و"دى جى" وموسيقى صاخبة، أصبحت منافسة بقوة لأفراح الحشيش، وأكثر جاذبية لجيل جديد من النشء، داخلها تنطلق وصلات الرقص على موسيقى يصاحبها صوت أي مطرب يطلق أية كلمات غير ذات معنى لا يميزها إلا الوزن والقافية، مع تبادل أنواع من "البرشام" التي تساعد على التنطيط و"عمل دماغ" جديدة ومختلفة تكمل سعادة أصدقاء صاحب "الفرحة".

انتهت معلومات صديقنا "المثقف"، وحتى لا يطير الدخان إلى خارج سطورنا أذكركم بالفاجعة، فحجم تجارة المخدرات في مصر أصبح 22 مليار جنيه بعد ثورة 25 يناير 2011 مع زيادة عدد المتعاطين والمدمنين إلى 8 ملايين شخص، فيما يصل حجمها عالميًا إلى 300 مليار يورو سنويا، مع وجود مدمنين يتراوح عددهم بين 172 و250 مليون شخص، وحسب الأمم المتحدة هناك 1.4 تريليون دولار من أموال المخدرات يتم غسلها سنويا من خلال المؤسسات القانونية لتمثل 5 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، الذي بلغ 58 تريليون دولار قبل 5 سنوات طبقًا لصندوق النقد الدولي.

وطبقًا لتقارير اقتصادية وأمنية دولية تدخل شبه جزيرة سيناء قائمة أكبر المناطق على مستوى العالم في زراعة الحشيش والاتجار به، وبسببها تحتل مصر المركز الثانى عشر عالميًا في زراعة الحشيش التي تتفوق فيها أفغانستان وكولومبيا وجنوب أفريقيا، كما تحتل المرتبة الثانية في أفريقيا من حيث انتشار تعاطي وتجارة المخدرات خاصة بعد الثورة، ليصبح التعاطى داخل أحياء ومناطق سكنية دون رادع قانونى، حيث انتعشت التجارة وانتشرت "الدواليب" في ظل الغياب الأمني المميز لطبيعة المراحل الانتقالية التالية على ثورات.

تنتظرون رأيًا أو تعقيبًا أو تعليقًا على ما ذكرت من أحداث وأوردت من أرقام، في خاتمة سطورى، لكنكم واهمون حالمون، فتأثير دخان الحشيش الذي أحاط بى في هذا "الفرح"، لا يزال مستمرًا، وربما يتزايد حال صادفنى الحظ وتكرر حضورى داخل فرح آخر مماثل، فموسم الانتخابات بدأ مبكرًا وربما دون أن تدرى الحكومة أو تحدد اللجنة العليا للانتخابات موعدًا للدعاية للمرشحين "بالدخان" والسجائر المحشية، لكن ما أتوقعه هذا العام هو "انتخابات عنب" تأتى بمجلس نواب به "أصحاب مزاج".. ربنا يستر.
الجريدة الرسمية