رئيس التحرير
عصام كامل

في ذكرى رحيل "عندليب الصحافة".. محمود عوض فتح بيته لسهرات "عبد الحليم ومصطفى أمين".. اكتشاف وفاته بعد يومين.. و"أفكار إسرائيلية" و"بالعربي الجريح" و"متمردون لوجه الله" أبرز مؤلفاته

عندليب الصحافة محمود
عندليب الصحافة محمود عوض

محمود عوض من جيل الصحفيين الرواد في مصر الذين رافقوا مسيرة التوأم الصحفي على ومصطفى أمين، ونبغت موهبته وتفتحت في صحيفة أخبار اليوم التي أسساها في أربعينات القرن الماضي، لقبه إحسان عبد القدوس بـ"عندليب الصحافة المصرية"، ومنحه فرصة المقالة الأول، فضل العندليب الكتابة والأدب عن النيابة العامة، اشتهر بقربه الشديد من الفنانين والمثقفين، وفتح بيته لهم، ولعل أبرز مؤلفاته " أفكار إسرائيلية ، ممنوع من التداول ،أفكار ضد الرصاص، وعليكم السلام ،بالعربى الجريح، متمردون لوجه الله"، ظل مولعًا بالقراءة والأدب حتى عثر عليه ميتا بعد يومين من وفاته داخل شقته.


مولده

ولد محمود عوض في ٢٨ ديسمبر ١٩٤٢ في مدينة طلخا بالدقهلية، وترتيبه الثالث بين ٦ إخوة ، كان محبا للقراءة منذ الصغر، وكادت تتسبب في رسوبه في دراسته، وظهرت موهبته الأدبية، لولا قطعه عهدًا لأبيه بأن يصير تلميذًا متفوقًا، تلقى برهانه خطابا أرسله كمال الدين حسين، وزير التعليم آنذاك، لوالده يضم شيكا بمبلغ ٢٥ جنيها لابنه المتفوق، سلمه الوالد لـ"محمود" ورحل بعدها بيومين مطمئنا على مصير ابنه.

التحق بكلية الحقوق حتى أقرنها بممارسة هوايته المفضلة للأدب، فالتحق بأخبار اليوم، وأبلى بلاءً حسنًا في الدراسة والصحافة، رفض عوض العمل بالنيابة العامة بعد تخرجه مفضلا العمل بالصحافة.

العندليب

موهبته العالية وقدراته الأدبية مكنته من أن يصبح نائبا لرئيس تحرير الأخبار، وهو لم يكمل عامه الثلاثين بعدأن أمضى ٨ أعوام من تخرجه.

اختاره له إحسان عبد القدوس لقب "عندليب الصحافة المصرية" مراهنا عليه بأن يكون واحدًا من أبرز كتاب الستينات.

عوض ومنصور

"مصائب قوم عن قوم فوائد" هذه المقولة تنطبق على موقف العندليب، عندما تأخر أنيس منصور عن إرسال مقاله اليومى، الذي ينشر في الصفحة الأخيرة من "أخبار اليوم"، فقرر إحسان عبد القدوس، وهو رئيس تحرير المؤسسة العريقة آنذاك، تكليف هذا الصحفى الشاب بكتابة الصفحة الأخيرة وحده، كان عقابا لـ"منصور"، الذي تسبب تأخره المتكرر في عدم إرسال الجريدة للمطبعة في الوقت المحدد، فكتب مقالًا رائعًا عن أم كلثوم أثار حفيظة وغيظ الكثيرين من أقرانه، فصار أنيس منصور يرسل مقاله قبل موعده بـ٣ أيام، وأوكل إليه إحسان كتابة صفحة أسبوعية في "أخبار اليوم" بعنوان "شخصيات"، يحاور فيها رموز الفكر والثقافة والسياسة والدين والفن في مصر، بطريقته الخاصة وبشكل لم يعهدوه من قبل.



عوض وأم كلثوم

حكاية رواها هو بنفسه فيما بعد، قال إنه حاول في البداية أن يجرى معها حوارًا عبر التليفون، وبعد عدة مكالمات ظفر أخيرًا بالحوار المنشود، وقبل أن ينشره سأله إحسان عبد القدوس، رئيس تحرير «أخبار اليوم» في ذلك الوقت: «هل أطلعت أم كلثوم على الحوار قبل نشره؟»، فردّ على الفور: «منذ متى نسمح لأحد بالتدخل في عملنا؟».

غير أن إحسان عاجله بسرعة: «إنها ليست أي أحد، إنها أم كلثوم». وافق عوض على عرض الحوار على أم كلثوم، وعندما زارها في منزلها أبدت اعتراضًا على جملة يفتتح بها مقدمة حواره معها، فغضب وسألها: «من منا يفهم في الغناء أكثر.. أنا أم أنت؟»، ردت أم كلثوم: «أنا طبعًا»، فقال بسرعة: «إذن فالكتابة هي عملى، وأنا أفهمه جيدًا، ولن أغير المقدمة».

تجاوزت أم كلثوم الموقف، ونشر الحوار بالطريقة التي كتبه بها عوض، ولم يكد الحوار ينشر حتى فاجأته أم كلثوم باتصال هاتفى تخبره فيه أن سعيد فريحة صاحب دار الصياد معجب بالحوار، ويطلب نشره في إحدى مطبوعاته، غير أنها أبلغته أن صاحب الحق الوحيد في الموافقة هو محمود عوض، لأنه صاحب الحوار، وليست هي.

فهم عوض بالطبع الغرض من المكالمة، وهو أن أم كلثوم تسترضيه، وتحاول أن تعتذر عن موقفها الأول بطريقة «شيك»، وحتى عندما منح كتابه عنها عنوان «أم كلثوم التي لا يعرفها أحد»، وبلغه غضب بعض أقاربها من العنوان، جاء رضاها هي، كنوع من إعلان الاعتراف بكاتب متميز، حتى إن اختلف معه الآخرون.

النجوم في بيت عوض

كانت هناك جلسة كل يوم أربعاء في بيت مصطفى أمين تجمع نجوم الصحافة بنجوم الفن وفي مقدمتهم أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ورياض السنباطي وبليغ حمدي من الفنانين، ومن الصحفيين أحمد بهاء الدين وإحسان عبد القدوس ومحمود عوض والتوأم على ومصطفى أمين وغيرهم من كبار الصحفيين في ذلك الزمن.

وكانت هناك جلسة أخرى تجمعهم في بيت محمود عوض، ويقول عنها "بيتى وقتها كان شقة صغيرة بحى العجوزة في القاهرة، وهى بالدور الرابع بغير أسانسير، والضيوف القادمون في كل مرة كبار في فنهم وبسطاء في صحتهم، ثم إن المكان لا يتسع لأكثر من عشرة مقاعد، وبقدرة قادر يتسع المكان أكثر وأكثر، البعض جالس على الأرض، في مقدمتهم عبد الحليم والبعض يتحرك إلى الشرفة، والبعض لا يجد مكانا إلا في المطبخ.. للشاي والقهوة والبوتاجاز (مصانع حربية بخمسة وعشرين جنيها وقتها)، ومع ذلك تستمر الجلسة حتى الفجر الغناء أقلها، والحديث في الأدب والفن والسياسة أكثرها".

أشهر كتبه

من أشهر كتبه : "أفكار إسرائيلية"،" ممنوع من التداول"،" أفكار ضد الرصاص"،" وعليكم السلام"،" بالعربى الجريح"،" متمردون لوجه الله".

رحيله

رحل محمود عوض في صمت، حيث وجد ميتا في بيته بعد يومين دون أن يكتشف أحد وفاته، إلا بالصدفة عندما لم يذهب لموعده مع أحد الأطباء في مثل هذا اليوم عام 2009.
الجريدة الرسمية