رئيس التحرير
عصام كامل

المسكوت عنه في فضيحة الكهرباء


بمجرد تعبير الرئيس السيسي عن غضبه لاستمرار أزمة الكهرباء وتأكيده على ضرورة توزيع الانقطاعات بالعدل حتى على منزله، وقبل مرور ساعات معدودة فقط على اجتماعه برئيس الوزراء ووزيرى البترول والكهرباء تراجعت الأزمة، كيف؟ قد لا يعرف البعض، ولكن الحقيقة أنها بسبب عمليات الفساد التي كانت تشوب عمليات توزيع قطع التيار على مستوى الجمهورية طبقا لعمليات تخفيف الأحمال، فالانقطاعات تتم وفقا لأهواء المسئولين بقطاع الكهرباء، وليس طبقا لمبدأ العدالة في توزيع زمن الانقطاعات.

المفاجأة التي حصلنا على معلومات بشأنها من أحد المسئولين بوزارة الكهرباء، تكشفت خيوطها مؤخرا عندما تمت تجربة عن توزيع الانقطاعات ومن خلال مركز التحكم الفرعى بمدينة نصر في إطار السعى للإعلان المسبق لزمن الانقطاعات للمناطق السكنية، وحضر التجربة وزير الكهرباء مع المهندس جابر الدسوقى رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر والدكتور حافظ سلماوى رئيس جهاز تنظيم مرفق قطاع الكهرباء، واكتشف سلماوى أن الانقطاعات تتم عن 600 ألف مشترك بينما هناك 250 ألف مشترك لا يقترب الانقطاع منهم، ولم يندهش وزير الكهرباء ولا رئيس القابضة من هذه العنصرية التي تضيف على 600 ألف مشترك زمن الانقطاعات الخاص بـ250 ألف مشترك، لتنعم تلك الشريحة التي تتضمن مناطق يقطن بها مسئولون بالحكومة والسلطة.

حافظ سلماوى والذي من المفترض أنه يمثل جهازا رقابيا لمنع تجاوزات وزارة الكهرباء لم يكن في مقدوره أن يغير من الواقع شيئا باعتبار أن الجهاز ليس له استقلالية فعلية عن قطاع الكهرباء وهو يعيش داخل بيت طاعة الوزارة!. وبالتالى فهو يراقب نفسه، وهذه هي منظومة الكهرباء في مصر التي انحدرت إلى هذا المستوى، ولم تكن التجربة التي كشفت عن واقعة أننا عدنا إلى الدولة التي محورها فرد لا شعب، وكأننا نعيش عصر الوزير الذي لا يُحسن إلا إذا أراد الرئيس ووفقا لتعليماته وأوامره!!. وليس وفقا لما يجب أن يكون، فدور الوزير في وزارته يُفترض ألا يقل عن دور رئيس الجمهورية، له القرار والسلطة العليا لما فيه مصلحة الوطن، وفى إطار تحقيق منظومة العدالة لأنها هي أساس الملك، ولكن على ما يبدو أننا في عهد ليس به وزراء وقادة ولكن به مسئولون بدرجة موظفين، لا يجيدون إلا الدور الذي أخجل أن أصفهم به!. ولكن على ما يبدو أنهم يستحقونه.

كان الشعب يأمل بعد ثورة 25 يناير وموجتها الثانية في 30 يونيو، أن يجد مسئولين على مستوى المسئولية، قيادات قادرة على اتخاذ القرار المناسب، وليس تعذيب الناس بإظلام حياتهم بينما لا يتوانون في تلبية احتياجات أصحاب المصانع كثيفة استهلاك الطاقة بالوقود المخصص للكهرباء، وبما لا يؤثر على حياة ورفاهية أصحاب الحظوة، إننا أمام ظاهرة تستحق الدراسة..

ظاهرة الوزير الموظف الذي ليس له قدرة على إقناع نفسه بمسئوليته تجاه الشعب وكل ما يراه في المنصب هو السلطة التي يتسلط بها ولا ييسر بها للناس، أمام من ينتزع طاقة بالكاد تكفى لمبات تضيء ظلمة حياة ملايين الفقراء ليقدموا طاقة تحقق الرفاهية لآلاف الأثرياء. 

إنها "قسمة ضيزى"، فهم لم يعرفوا بعد حق المواطن ولا حق الوطن عليهم ولكنهم أشبه بنبات عباد الشمس الذي يظل ملتصقا بقرص الشمس حيثما ذهب، فهم مسئولون يحملون في نفوسهم سيكولوجية العبيد وليس في دمائهم قطرة تشير إلى شموخ الأحرار، وبالتالى ما كان للكهرباء أن تتحسن خلال ساعات إلا بتعليمات تصدر، لأنهم لا يعرفون سوى تنفيذ التعليمات والأوامر.. وأتمنى أن يُعيد الرئيس السيسي تشكيل وزارته بعدما كشفت أزمة الكهرباء أن من اعتاد المشى بجوار الحيط لن يستطيع أن يكون صاحب قرار في حياته.
الجريدة الرسمية