رئيس التحرير
عصام كامل

ممدوح الولي الذي أعرفه


يُعد خبر إصدار قرار النائب العام بحبس ممدوح الولى نقيب الصحفيين السابق ورئيس مجلس إدارة الأهرام الأسبق صدمة لى شخصيا. 

بصرف النظر عن أنه تزامن مع قرار الإفراج عن أحمد عز في أكبر قضايا الفساد المالى على مر التاريخ وبكفالة 100 مليون جنيه! فممدوح الولى الذي أعرفه كما يعرفه الكثيرون من الزملاء في المهنة، من النماذج التي تتسم بطهارة اليد وصفاء النفس وطيبة القلب وحب الخير.


وربما قد اكتشفت من صفات ممدوح الولى ما لم يكتشفه غيرى ليس من خلال زمالتنا في مجلس نقابة الصحفيين وهو مجلس عام 2011 أول مجلس بعد ثورة 25 يناير، ولكن كان من خلال رحلة حج لبيت الله الحرام في عام 2007 وكنا مجموعة تتضمن الزملاء محمد السهيتى وأحمد السباعى من الأهرام وغيرهم وكنا نعيش في غرفة واحدة في مكة المكرمة والمدينة المنورة. 

ومن خلال مثل تلك الرحلات الإيمانية تكتشف حقيقة وطبيعة الإنسان فكان ممدوح الولى أقرب إلى التصوف في بساطته وعلاقته بالناس وفى عبادته، لقد كان الأحرص على ألا تضيع منه صلاة فرض من الفروض في أي من الحرمين الشريفين، واكتشفت أن ممدوح ومن خلال تصرفاته التي تتصف بالحكمة والأمانة والصدق.

كان يرى أن علاج أي من الأزمات تتم بالصدقات مصداقا لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: عالجوا مرضاكم بالصدقات، وكان من المواقف الطريفة أن رحلتنا تصادفت أنها الأخيرة التي قبل وزير الداخلية حبيب العادلى أن تنظم من خلال حج القرعة الذي تتولاه وزارته. 

وكان هدفه أن يتجنب نقد الصحفيين وأقلامهم التي تهاجم الخلل في عمليات التنظيم.. وحتى يجبر الوزير النقابة على أن تنقل عمليات التنظيم من الداخلية إلى شركات السياحة، وهو بالطبع مُكلف ماليا، فقد قرر الوزير أن يجعل بعثة الصحفيين في ذلك العام في الفنادق البعيدة عن الحرم الشريف خاصة في مكة، وكنا في نهاية شارع خالد بن الوليد الذي أُزيل حاليا في التوسعات الجديدة للحرمين الشريفيين.

المهم كانت والدة ممدوح ووالدتى وكانتا بصحبتنا ولكبر سنهما ومرضهما كانتا حسبما تراءى لنا أنه من الصعب أن يسيرا كل هذه المسافة مع كل فرض إلى الحرم، وقررنا أن نبحث عن غرفة قريبة من الحرم ولم نجد في ظل الزحام الذي شهده حج هذا العام، ووجدت ممدوح يقول لى إننا في معية الله وسوف يُمكن الله أمهاتنا من الانتقال للصلاة بالمسجد الحرام وبالفعل وجدت أن كلتيهما تسبقنا في السير مع كل صلاة.

وبعد عودتنا وبعد انتخابات 2011 كانت نقاط اختلافى مع ممدوح الولى أكثر بكثير من نقاط اتفاقى، وكنت أعرف أن ممدوح الولى ليس إخوانيا حسبما كان ولا يزال يشاع عنه، ولكنه كان ينتمى في السبعينيات وقت دراسته بالجامعة إلى الجماعات الإسلامية، وكان من الطلاب الذين يسند إليهم عمل أنشطة للطلاب بأقل نفقات.

وقد قبض عليه واعتقل في أحداث قتل السادات، وحكى لى أنه كان ينظم مسابقات داخل السجن كنوع من الترفيه حتى تمر الأيام.

ومن خلال معرفتى بممدوح الولى فكان نموذجا يُحتذى به في الإنسانية والتواضع والتدين، وكان دائما يساندنى في أي قرارات أريد أن تصدر عن مجلس النقابة لصرف مساهمات في علاج أي من الزملاء، بل كنت أعرف أن ممدوح الولى يتولى تدبير احتياجات الكثير من الأسر الفقيرة في المناطق العشوائية، ومن خلال علاقته بأهل الخير، وممدوح الولى ليس من الأثرياء وهو من البسطاء جدا في حياته ومعيشته وتعامله مع زملائه.

أما حكاية حبس ممدوح الولى وعلى حدود علمى فإن قرارات الحبس التي يصدرها قاضي التحقيق أو النائب العام ليست أحكاما ولكنها إجراءات احترازية يصدرها حسب رؤيته ولكن في السنوات الأخيرة أجد أن العديد من قرارات النيابة العامة تقع تحت تأثير السياسة أكثر من أي شيء آخر، وما يؤكد وجود تسييس في ملف ممدوح الولي هو التحقيق مع «الولي» دون إخطار نقابة الصحفيين، بالمخالفة للمادة 69 من القانون «76 لسنة 1970» الخاص بإنشاء نقابة الصحفيين.

فممدوح الولى وعلى حد علمى أنه تفاوض مع إيهاب طلعت فيما يخص ديون مستحقة لمؤسسة الأهرام وكان طلعت قد هرب خارج مصر.. وترى المؤسسة أن الديون تصل إلى نحو 90 مليون جنيه ويرى طلعت أنها أقل بكثير من ذلك وتم تشكيل لجنة من خبراء وزارة العدل لتقول حسب المستندات إنها في حدود 50 مليون جنيه ولكن الأزمة ظلت قائمة، والديون أصبحت شبه معدومة فلجأ الولى إلى حيلة التفاوض مع طلعت ومن خلال وسطاء مستعينا بخبرته كصحفى مصرفى كان قريبا من أساليب التفاوض حول حل أزمات تعثر رجال الأعمال المدينين للبنوك والهاربين خارج مصر.

فتم التفاوض ومن خلال مجلس إدارة الأهرام على سداد إيهاب طلعت لمبلغ في حدود 60 مليون جنيه ونجح في ذلك وتم السداد حسبما تردد، ولكن الإدارة الجديدة قررت اعتبار ذلك إخلالا بمستحقات الأهرام والتي ترى الإدارة الجديدة أنها تتجاوز 90 مليونا من الجنيهات، ويحال الملف للنائب العام ليصدر قرار حبس ممدوح الولى.

ولكن تعليقى وبالطبع ليس على حكم قضائي، ألم يكن هناك حل آخر سوى حبس ممدوح الولى، خاصة أنه لو كانت قرارات التسويات مع رجال الأعمال خطأ لكان كل مسئولين مصر قد دخلوا السجون ولكان العشرات من رجال الأعمال من أمثال رامى لكح وغيره الآن خارج مصر، أو أن حبس ممدوح الولى يتم على أساس سياسي خاصة أنه ممن يرون أن ثورة 30 يونيو ما هي إلا انقلاب عسكري، وهذا رأى لصحفى يجب ألا يحاسب عليه. وأرى أن هناك الكثير من الحقائق سوف تخرج إلى النور في عملية حبس الولى ولكن عندما ينقشع عنها ضباب السياسة والتسيس.

لكن ما يثير سوء الظن عندى أن تعمد وزارة الداخلية معاملة الولى معاملة سيئة ونقله فورا إلى سجن مزرعة طرة وحرمان أسرته من زيارته وهى معاملة غير إنسانية لم يعامل بها أحد من رموز فساد نظام مبارك، فما بالنا بنقيب صحفيين مصر المحترمين.

والغريب في الأمر أن عمليات الإفراج تتم عن رموز النظام الذي خرب مصر ونهب ثرواتها ومما تزامن مع حبس ممدوح الولى هو الإفراج عن أحمد عز بكفالة 100 مليون جنيه، وإذا كان عز قد استطاع أن يدفع كفالة بحجم هذا الرقم فكم استطاع أن ينهب من خيرات الوطن أو هذه ثروات طبيعية يمكن لرجل لا يزال في عمر الشباب بدأ حياته يعمل في فرقة موسيقية أن يصل إلى تستيف مليارات الجنيهات وبعد الاستيلاء على إحدى أهم شركات الدولة أن تلك الأمور لابد أن تثير السخرية وتؤكد أن مصر لن ينصلح أمرها طالما ظللنا نفتقد التعامل مع الأمور بمقياس العدل.
الجريدة الرسمية