رئيس التحرير
عصام كامل

اللواء باقي زكي يوسف يكشف: أسرار تدمير خط بارليف في «العاشر من رمضان»

فيتو

عند الحديث عن ذكرى انتصار العاشر من رمضان لا يمكن إغفال دور مخرج مشهد الـ"ماستر سين" لعبور الجيش المصرى، إنه اللواء مهندس باقي زكى يوسف، صاحب فكرة تحطيم أسطورة خط بارليف الذي تخرج في كلية الهندسة جامعة عين شمس سنة 1954، ثم انضم في نفس العام للقوات المسلحة كضابط مهندس في سلاح المركبات، وفى سنة 1964 تم انتدابه للمشاركة في مشروع بناء السد العالي إلى أن حدثت النكسة في سنة 1967، ثم عاد "باقى" إلى الجيش الثالث الميداني ليصبح "قومندان" لتشكيل من تشكيلات الجيش الثالث الميداني، ثم رئيسًا لفرع مركبات الجيش الثالث في حرب أكتوبر 1973، وعمله السابق في بناء السد العالى أكسبه مهارات ساعدته في ابتكار طريقة لهدم خط بارليف عن طريق مضخات المياه.


"فيتو" التقت البطل اللواء باقى زكى يوسف في منزله وحاورته عن أسرار فكرته العبقرية والتي قضت على أسطورة إسرائيل.. وإلى نص الحوار:

>> في البداية حدثنا عن أسرار عرض فكرتك حول هدم خط بارليف عن طريق مضخات المياه ؟
كنت أحضر اجتماعًا مع قادة بحضور اللواء سعد زغلول قائد الفرقة 19 مشاة، لاستعراض عدد من الطرق لإزاحة هذا الساتر الترابى المملوء بالدشم، وتم الاستقرار على تدمير خط بارليف بواسطة المفرقعات والقنابل والصواريخ، لكنها كانت ستعطى نتائج غير مرضية ومكلفة جدًا وتستغرق وقتًا وجهدًا وعددًا كبيرًا من الشهداء، وكان فتح الثغرة الواحدة سوف يستغرق من 10 إلى 15 ساعة، وخلال قيام القادة بمواصلة الشرح عن كيفية تنفيذ العبور اندهشت لأن الجندى الذي سيعبر ينتظر 15 ساعة حتى تصل له دبابة أو مدفع ليدعمه، كما أن تقدير الخسائر من تفجير خط بارليف بالمتفجرات كان 20% في المراحل الأولى، فضلا عن التكلفة البالغة للعتاد والمتفجرات التي ستستخدم في تفجير ثغرات بهذا الساتر الترابى.

>> ومتى تم عرضها والموافقة عليها؟
أثناء اجتماع القادة العسكريين في اجتماع الفرقة 19 مشاة طلبت أن أعرض فكرتى، وأعطيتهم خلفية عن عملى السابق في بناء السد العالى، وورد في ذهنى تجربتى في إزالة رمال السد العالى عام 1969، لكن اللواء سعد زغلول طلب منى أن أتحدث بعد الحضور، وقال لى: "يا باقى إنت الذي ستزيل هذا الهم كله"، قلت له "سأتحدث عن طريقة لفتح الساتر الترابى"، وعندما سمح لى مبتسمًا قلت إن الساتر كان مبنيًا على رمال وحل هذه المشكلة في مياه القناة الموجودة أسفل الساتر الترابى، وذلك بوضع طلمبات "ماستر" على زوارق خفيفة لسحب مياه القناة وضخها بقوة كبيرة على الساتر الترابى، فاندفاع المياه الكبير سيحرك الرمال لتنهار إلى قاع القناة، مع استمرار تدفق المياه على الساتر الترابى في المناطق التي ستفتح فيها الثغرات المطلوبة، وبعد أن عرضت فكرتى في شرح مطول انبهر جميع القادة وكانوا في حالة صمت تام، وأكدت أن ما شرحته تم تنفيذه من قبل في تجريف رمل السد العالى سنة 1969، حيث جرفنا نحو عشرة مليون متر رمال ربع السد العالى بطلمبات المياه وبعد أن تم نقل فكرتى إلى عدة قادة عسكريين وصلت إلى الرئيس جمال عبد الناصر ووافق عليها، وصدرت لى تعليمات بألا أتحدث عنها مع أحد.

>> ولكن كيف جاءت فكرة بناء هذا الساتر الترابى؟ ومن صاحب فكرته؟
صاحب فكرة بناء خط بارليف هو الجنرال حليم بارليف، وتلك الفكرة استمدت من خط ماجينو الذي بنته فرنسا عقب الحرب العالمية الأولى بطول الحدود مع ألمانيا وإيطاليا باعتباره نموذجًا للتحصينات الدفاعية الثابتة.

>> وكيف بنى الإسرائيليون هذا الخط؟
قاموا بجمع الكثبان الرملية التي نتجت من حفر وتطهير وتوسعة قناة السويس على الضفة الشرقية، ثم قاموا بتعليتها ووضعوا فيها دشم ومعدات عسكرية قديمة وأحجار، وتم بناء هذا الساتر على الضفة الغربية للقناة مباشرة بامتداد من بورسعيد إلى السويس بميل 80 درجة بحيث يكون عبور جنودنا في غاية الصعوبة، ثم بنى الصهاينة نقاط قوية وضعوا فيها جميع الأسلحة الحديثة والدبابات، واعتبر هذا الساتر من أقوى التحصينات العسكرية وأن من يفكر في اختراقه يقوم بعمل انتحارى.

>> وماذا عن تنفيذ فكرتك على أرض الواقع؟
تم تنفيذ الفكرة يوم 6 أكتوبر عام 1973 بطريقة أذهلت العالم، وحققت نتائج كثيرة من بينها تم فتح أول ثغرة في الساتر الترابي الساعة 6 من مساء ذلك اليوم، وأيضا فتح 75 % من الممرات المستهدفة وهى 60 ممرا، وذلك في الساعة العاشرة من مساء 6 أكتوبر عقب انهيار نحو 90 ألف متر مكعب من الرمال إلى قاع القناة، وكان عبور أول لواء مدرع من معبر القرش شمال الإسماعيلية في الساعة الثامنة والنصف من مساء ذلك اليوم.

>> وكم عدد الثغرات التي تم فتحها في الساتر الترابى لخط بارليف؟
60 خلال المرحلة الأولى و25 في المرحلة الثانية، حيث قمنا بفتح ثغرة على طول امتداد الضفة الشرقية للقناة وكانت كافية لإتمام العبور على مدى ذلك اليوم.

>> هل لك أن تحدثنا عن جانب من بطولات حرب أكتوبر؟
حرب أكتوبر كانت كلها بطولات لا توصف، فعلى سبيل المثال الجندى الذي كان يقود السيارة التي تقلنى أصيب خلال تفجير خط بارليف، وعندما طلبت منه أن ينزل من السيارة رفض وأصر أن يستشهد.

>> ومن قام بتوفير تلك الطلمبات التي أزالت الساتر الترابى؟
- سلاح المهندسين هو الذي تولى توفير تلك الطلمبات، وهى كانت نوعين من الطلمبات، الأولى "ميكانيكية" جاءت من إنجلترا وكانت موجودة على الفتحات الخاصة بالمعديات، وطلمبات "توربينية "جاءت من المانيا كانت تؤمن فتحات الكبارى بالكامل.
>> ولكن متى التحقت بالفرقة 19 مشاة ؟ وماذا كان دورك في الفرقة ؟
- عندما حدثت نكسة يونيو 1967 تم استدعائى ضمن الضباط الذين كانوا في الوظائف المدنية واستدعتهم القوات المسلحة، وحينها كانت رتبتى مقدم مهندس، حيث تم تعيينى رئيسا فرع مركبات في الفرقة 19 مشاة، وكان دوري أن اقوم بالمرور الدوري على وحدات الفرقة التي كانت موجودة على الضفة الغربية للقناة لمتابعة أعمال الصيانة، وكان عمرى وقتها لم يتعد الخامسة والثلاثين عامًا.

>> وكم كان ارتفاع خط بارليف؟
-كان يوازى ارتفاع سبعة طوابق.
الجريدة الرسمية