رئيس التحرير
عصام كامل

إستراتيجية للثقافة!!


يتردد الآن أن وزارة الثقافة تسعى لوضع خطة إستراتيجية للثقافة، قيل هذا الخبر على صفحات الإنترنت، وبعيدا عن المناقشات حول من سيضع الإستراتيجية وأهدافها، السؤال الأهم هو هل الثقافة هي وزارة الثقافة؟ قبل ثورة يناير ولأكثر من عشرين سنة كانت وزارة الثقافة تنتج كتبا هامة، مترجمة أو مؤلفة، وتقريبا كل أجهزتها الكبرى أصبحت تنتج الكتب منافسة لهيئة الكتاب التي إنتاج الكتب هو عملها الوحيد، ولا أريد أن أقول لماذا كانت هذه المنافسة، ننسى الماضي، المهم أن تسعين بالمائة من هذه الكتب كانت ضد الفكر المتطرف والفكر الرجعي.

ولكن حين حدثت ثورة يناير ظهر على السطح أن القوة الكبيرة المنظمة إلى جانب الدولة القديمة التي قامت عليها الثورة هم الإخوان المسلمون والجماعات المتطرفة، وكأن كل إنتاج الوزارة كان يذهب إلى البحر، ولقد كتبت وقتها كثيرا أناشد الأزهر ووزارة التعليم والإعلام مساعدة الوزارة وإنتاجها على الرواج، لكن المساجد كانت كلها ضد إنتاج الوزارة، وكانت خطبة الجمعة في آلاف من الزوايا العشوائية تهاجم الكتب، ووصل الأمر ببعضها حين وقعت كارثة بني سويف ومات حرقا أكثر من خمسين كاتبا وناقدا ومخرجا وممثلا أن هللت بعض المساجد لموتهم لأنهم كفار يعملون بالفن، طبعا تغير الوضع الآن بالنسبة للأزهر وقطع خطوات في ترشيد الخطباء وخطبهم.

لكن ما زالت الثقافة بعيدة عن الإعلام ووزارة التربية والتعليم، التي لا يمكن أن تضع في مكتباتها رواية بها شخص يدخن، لا أريد تقريرها على الطلبة، لا بد أن الخطة الإستراتيجية التي نسمع عن التفكير فيها ستسعى لذلك لكن هنا السؤال، هل تعرف وزارة الثقافة عدد دور النشر الخاصة وماذا تنتج وماذا يحدث في إنتاجها المتقدم من تزوير للكتب وبيعها في الطرقات دون أي حقوق لأي أحد.

رغم أن مصر موقعة على اتفاقية حقوق الملكية وفي وزارة الثقافة والإعلام ممثل قانوني لذلك. هل تعرف وزارة الثقافة عدد الفرق المسرحية والغنائية الخاصة البعيدة عن الوزارة وهل لديها القدرة المادية على دعمها دون تدخل في أعمالها بعيدا عن الجودة الفنية للعمل، وهل لديها المال الذي سيجعل المجتمع المدني يتقدم، وهل تؤمن بالمجتمع المدني أم ببعض الجهات منه التي تستطيع الضغط والتشهير فتتجاوب معها لتنتهي من شرها كما تراها.

هل تعرف وزارة الثقافة لماذا لا توجد سينما في مصر بسبب سرقة الأفلام في القنوات الخاصة الخارجية علنا وعلى الإنترنت في مواقع مثل "يوتيوب" مما جعل المنتجين "ينفدون بجلدهم" أو بمعني أدق بفلوسهم التي ستضيع بعد يوم واحد من عرض الفيلم، هل تعرف وزارة الثقافة أن هذا من عملها باعتبار أن مصر كما قلت موقعة على اتفاقية الملكية الفكرية العالمية وفي وزارة الثقافة والإعلام من يمثل ذلك؟ هل ستقوم بدور في هذا لينطلق القطاع الخاص في عمله وهو الوحيد القادر على إنتاج ثقافة كثيفة دون تدخل من أي نوع، وإلى جوار ذلك هل تعرف وزارة الثقافة نسبة من يتعاملون معها قياسا على من لا يتعاملون ويجدون في القطاع الخاص طريقا أفضل؛ لأن هناك رقابة غير قانونية على كل ما تنشره.

لا أريد أن أقاطع وأقول إن ما سيحدث هم أمر سيكون مرهونا بعمل الوزارة وميزانيتها، وستلقي بالفتات إلى المجتمع المدني. هذا المجتمع بمؤسساته وأفراده الذي لا يريد أحد أن يعترف أنه هو المنتج الحقيقي للثقافة المكتوبة ويجد عسرا في الثقافة المرأية، فيذهب إلى المساعدات من المؤسسات الثقافية الخارجية بعيدا عن الوزارة، لكنه في النهاية لا يستطيع أن يجد مسرحا كبيرا مثلا، هل ستضع الوزارة مسارحها في خدمة هذا المجتمع المدني ليظهر لدينا جيل من المؤلفين بعد عشرات السنين من الإعداد المسرحي لأعمال لم تعد قديمة إلى درجة النسيان، لكنه الاستسهال حتى انقرض مؤلفو المسرح تقريبا، كثير من الأسئلة تحتاج إجابات لا أريد أن أقاطع وأقول إنها لن تجدها؛ فقط حذار أن تتصور الوزارة أنها ستكون هي الثقافة وصانعة الثقافة وحدها.
ibrahimabdelmeguid@hotmail.com
الجريدة الرسمية