رئيس التحرير
عصام كامل

شرعية قتل الشعوب


أقصد شرعية حماس، ليس فقط حماس ولكن أي نظام حكم في أي بلد في الدنيا. فحماس بنت شرعية وجودها قبل وبعد استيلائها على السلطة في غزة، على المقاومة المسلحة للاحتلال الإسرائيلي. ولأن المقاومة ليست هدفًا في حد ذاتها، ولأنها لابد أن تؤدي إلى نتيجة، فالطبيعي أن نسأل: هل تم تحرير الأرض، هل تم على الأقل تحسين شروط الاحتلال، أي قدرة حماس ومقاومتها المسلحة على فرض شروط ولو قليلة لفك الحصار على غزة، أو لتحسين شروط الحياة لدى أهلها؟

الحقيقة المرة هي أن هذا لم يحدث. فقد فشلت مقاومة حماس في أن تقيم دولة فلسطينية، وفشلت في أن تحسين أي شروط. إذن ما قيمة المقاومة؟ 

الحقيقة أنها لا تقدم أو تؤخر في تقدم القضية الفلسطينية، بمعنى الحلم بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ولا حتى إقامة إمارة حماس المستقلة. هذا لا ينطبق على حماس وحدها، ولكن أيضًا على منظمة التحرير الفلسطينية التي استخدمت الكفاح المسلح ولكنها لم تصل إلى هذه الدولة المنشودة. كل ما وصلت إليه هو حكم ذاتي منقوص لا أكثر ولا أقل.

إذن المقاومة المسلحة والكفاح المسلح لم يستفد منه أغلبية الشعب الفلسطيني. وكل ما يحدث هو أن نشفي غليلنا قليلًا من عدو غاشم. لكن لا أظن أن المقاومة المسلحة هدفها الانتقام ولكن الوصول إلى أهداف. فما هي البطولة في أن تخوض حربًا أنت تعرف أنك ستخسرها، ما هي البطولة في أن تقتل عشرات من العدو، في حين يقتلون من شعبك الآلاف من الأبرياء؟ وما هي البطولة في أن تخوض حربًا تعرف أن دماء شعبك من أطفال ونساء ستكون مستباحة؟ 

الحقيقة أن المستفيد فقط في هذه الحالة هم القيادات، سواء حماس أو منظمة التحرير أو غيرها. أي إن هذا الكفاح المسلح استخدموه كشرعية لهم حتى يظلوا في الحكم إلى ما شاء الله.

هل هناك طرق أخرى لتحرير فلسطين؟ 
لست المعني بالإجابة على هذا السؤال، فالمعني أولًا وأخيرًا هم من يحكمون، أي حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية. ومعهم الشعب الفلسطيني. كل ما يمكنني قوله هو أن هناك تجارب أخرى في العالم لتحرير الأرض، نتأملها، ربما تساعدنا في إيجاد طريق التحرير. على سبيل المثال تم احتلال اليابان وألمانيا بعد تدميرهما بالكامل. ولم تلجأ النخبة في البلدين لاعتماد الكفاح المسلح. ولم يكن خطابها مستندًا إلى تدمير الاحتلال وإجباره على الرحيل بالدم.

لكنهم استندوا إلى شرعية أخرى، أولًا بناء دولة مؤسسات ديمقراطية. ثانيًا النهضة الاقتصادية الضخمة. ولم يكن عندهم مشكلة في أن يستفيدوا من المحتل ويقيموا شراكته معه. أي التركيز أولًا وأخيرًا على تحقيق الحرية والعدل والرفاهية لشعوبهما، هذه هي الشرعية الوحيدة التي استندوا إليها. وهي الشرعية التي حررتهم من الاحتلال الأمريكي الغربي، وجعلتهم قوى اقتصادية جبارة تنافس وتزعج محتليهم السابقين. 
الجريدة الرسمية