رئيس التحرير
عصام كامل

"سى آى إيه" تكشف علاقة واشنطن بـ"الإخوان".. سمحت لهم بتشكيل منظمات بأمريكا كواجهة للتغطية على تنظيمهم السرى.. أقنعتهم بالتعاون مع جماعات إيرانية متشددة.. ولماذا غيّر أوباما موقفه من مبارك؟

جمال عبد الناصر
جمال عبد الناصر

كشفت وثائق سرية صادرة عن جهاز الاستخبارات الأمريكية "سى آى إيه"، وثائق سرية تتحدث عن علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بجماعة الإخوان المسلمين، مشيرة إلى أن "الإدارة الأمريكية كانت تراقب الإخوان ونشاطاتهم منذ العام 1947، حيث تشير وثيقة بتاريخ 16 أكتوبر من هذا العام إلى تأكيد الاستخبارات الأمريكية على أن عنصرا جديدا أضيف بعد الحرب العالمية مع ظهور حزب الإخوان المسلمين الذى يؤكد على الإسلام وكراهيته الشديدة للتدخل الأجنبى فى العالم العربى".


وتشير تقارير الاستخبارات الأمريكية إلى أن الإخوان قاموا فى أوائل الستينيات بعمل منظمات تعمل كواجهة خارجية تغطى على هذا التنظيم السرى للإخوان فى الداخل الأمريكى، هذا التنظيم السرى حقق نجاحات واسعة فى خلق منظمات راعية ودافعة لتحقيق الأهداف السامية للإخوان فى الولايات المتحدة الأمريكية.

وأكدت التقارير ما نشره ديفيد ماثيو هولاند فى كتابه "أمريكا ومصر: من روزفلت إلى أيزنهاور" بأن العلاقة بين عبدالناصر والولايات المتحدة لم تكن سيئة فى السنوات الأولى من الثورة، حتى إن أمريكا منحت عبدالناصر سترة واقية من الرصاص قبل خطاب المنشية الشهير وكأنها كانت على علم بمحاولة الاغتيال (بحسب ما كشفه لاحقا حسن التهامى المستشار السياسى للرئيس جمال عبدالناصر).

وحسب هولاند فإن "حادثة المنشية مكنت عبدالناصر من التخلص من الرئيس محمد نجيب ومن الإخوان عبر إصدار مرسوم يقضى بحظر الجماعة واعتبارها خارجة عن القانون، حتى إن أنتونى إيدن رئيس وزراء بريطانيا وصف عبدالناصر بأنه واحد منا، وأن تحول عبدالناصر لاحقا إلى السوفيت والمعسكر الشرقى غير حسابات لندن وواشنطن وأصبح عدو الأمس صديق اليوم، وبدأت علاقة جديدة بين الإخوان وأمريكا هدفها هذه المرة القضاء على عبدالناصر نفسه، حيث حاولت الولايات المتحدة وبريطانيا دعم الإخوان عبر تشكيل خلايا سرية تعمل ضد الثورة وقد أقنعت واشنطن ولندن الإخوان المسلمين بالتعاون مع جماعات إيرانية متشددة، وتم تشكيل خلية فدائيى الإسلام التى استطاع عبدالناصر كشفها واعتقل على أثرها عددا من زعامات الإخوان مع سحب الجنسية المصرية من عدد منهم، من بينهم سعيد رمضان والذى على الرغم من إثبات الاستخبارات المصرية تورط سعيد رمضان فى تنفيذ أعمال إرهابية إلا أن الحكومة السويسرية لم تتخذ أى إجراء ضد رمضان المقيم على أرضها، ما يضع علامات استفهام حول حقيقة الدور الأمريكى والبريطانى فى مخطط اغتيال جمال عبدالناصر".

كما أشارت التقارير إلى ما قاله الصحفى الكندى آيان جونسون والذى ذهب إلى حد وصف العلاقة بين الإخوان وأمريكا بأنها أكثر من حميمية، وأن هناك كتاباً للرئيس الأمريكى السابق أيزنهاور يروى فيه تفاصل اجتماع حضره سعيد رمضان مندوب الإخوان المسلمين وصهر مؤسس ومرشد الجماعة حسن البنا، وهو والد الباحث المصرى طارق رمضان الذى يحمل الجنسية السويسرية وأن الاستخبارات الأمريكية دعمت سعيد رمضان بشكل علنى وكانت تعتبره عميلا للولايات المتحدة وساعدته بالتالى فى الخمسينيات والستينيات فى الاستيلاء على أرض مسجد ميونيخ وطرد المسلمين المقيمين ليبنى المسجد عليها، الذى يعد من أهم مراكز الإخوان المسلمين فى أوربا وأن المخابرات البريطانية لعبت دوراً فى مساعدة سعيد رمضان لترتيب انقلاب ضد عبدالناصر سنة 1965 والعملية التى انتهت بالقبض على غالب عناصرها فيما عرف تاريخيا بقضية تنظيم الإخوان التى أعدم بسببها سيد قطب".

كان الكاتب الأمريكى روبرت دريفوس قد ذكر فى كتابه "لعبة الشيطان".. كيف أطلقت الولايات المتحدة العنان للأصولية الإسلامية"، والصادر فى عام 2005 أن واشنطن دعمت الجماعات الإسلامية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا جهراً وسراً، ما تسبب فى ميلاد الإرهاب"، مؤكداً أن أمريكا تلاعبت بالجماعات الإسلامية التى دعمتها ومولتها وأن الولايات المتحدة استخدمت الإخوان المسلمين فى الخمسينيات ضد جمال عبدالناصر والمد القومى.

ويذكر ستيفين ميرلى الباحث فى معهد هدسون بواشنطن فى دراسة مطولة عن الإخوان المسلمين فى الولايات المتحدة (2009) أن الإدارة الأمريكية سمحت لهم بمزاولة نشاطاتهم التنظيمية داخل الولايات المتحدة. وفى هذا الإطار قام الإخوان فى أمريكا فى أوائل الستينيات بعمل منظمات تعمل كواجهة خارجية تغطى على هذا التنظيم السرى للإخوان فى الداخل الأمريكى.

ويقول ميرلى إن هذا التنظيم السرى حقق نجاحات واسعة فى خلق منظمات راعية ودافعة لتحقيق الأهداف السامية لإخوان أمريكا، حيث بدأ تشكيل المتطوعين لكن دون أى إطار تنظيمى، فهى إذن مجموعات من المتحمسين أو الناشطين كانوا فى بلادهم من الإخوان أو من جماعة أخرى أو ليس لهم أدنى انتماء فجمعهم النشاط والعمل مع الفريق وبهذا كانت مرحلة غرس بذرة الإخوان فى أمريكا الشمالية، ثم بدأت المرحلة الثانية ذات الطابع التنظيمى حيث تم عمل مجموعات على مستوى دول أمريكا الشمالية ولديهم إطار تنظيمى تنسيقى ما يسمى بمجلس التنسيق والذى أولى اهتمامه بالتنسيق بين جهود المجموعات الدولية والتحقق من مدى فاعليتها والاستفادة من تجاربها والخروج بتوصيات لكنها غير ملزمة للمجموعات وليست فى إطار تنظيمى حتى الآن.

ثم تنامت هذه المجموعات لتفرز قادة لها ثم يتم عمل مجموعة تنسق وتجمع بين قادة المجموعات فى غياب أعضاء المجموعة الأقل فى السلم القيادى. وعليه تم إلحاق بعض الدول التى ليس لديها مجموعة ممثلة فى مجلس التنسيق أن تنضم إلى أقرب مجموعة فى الدولة المجاورة لها كما كان الحال بالنسبة للعراق مع الأردن وليبيا مع مصر والأمثلة واردة، وقام مجموعة من الطلاب ذات الانتماءات الإخوانية فى أمريكا الشمالية بالتجمع والحشد لتكوين اتحاد الطلاب المسلمين ليكون ذا صبغة إخوانية هو الآخر ثم تكون النشاطات التنظيمية محصورة فى التجمعات والمؤتمرات العلنية والمعسكرات الطلابية الحاشدة.

وحسب ما جاء فى الدراسة فقد اعترف واحد من مؤسسى هذا الاتحاد أن تاريخ تأسيسه يرجع إلى عام 1962. لقد بدأ عمل الاتحاد فى جامعة اليونس فى يوربانا شامباين حيث تجمعنا لأول مرة فى الخامس والعشرين من ديسمبر من عام 1961 وكنا يومها ثمانية طلاب حيث اتفقنا على أن نلتقى فى الأول من الشهر التالى فى 1 يناير 1962 حيث ضمت ولايات انديانا ووسكونسين ومينوسوتا وكنا يومها خمس عشرة ثم اتفقنا على إطار أيدلوجى يمكننا السير عليه والالتزام به لنحقق أعلى فاعلية فى الجامعات الأمريكية وتنضم إلينا الفرق الطلابية من كل حدب وصوب، وبدأ الاتحاد عمله رسميا فى 1963 حتى أصبح من العلامات المميزة فى الجامعات والمعاهد الأكاديمية حتى تمتع بحوالى 250 مكتباً تمثيلياً له فى مختلف جامعات أمريكا وكندا.

كما توجد للإخوان، حسب ستيفين ميرلى، جمعيات ومؤسسات أخرى تعمل فى إطار القانون وبموافقة من السلطات الأمريكية وهى الوقف الإسلامى بأمريكا الشمالية والجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية والمعهد العالمى للفكر الإسلامى ومجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية والجمعية الإسلامية الأمريكية والمجمع الفقهى لأمريكا الشمالية.

وتشير التقارير إلى أن إدارة أوباما توصلت إلى قناعة فى بداية فبراير 2011، بأن مبارك قد انتهى، وضغطت عليه من أجل تسليم السلطة إلى نائب الرئيس المعين حديثا ورئيس جهاز الاستخبارات السابق اللواء الراحل عمر سليمان، الذى كان يحظى بتأييد من الجيش. وكانت الخطة هى أن يتولى سليمان الرئاسة ويشكل حكومة انتقالية ويدخل إصلاحات تؤدى فى النهاية إلى نظام ديمقراطى نموذجى. وكما يظهر التاريخ، لا تسير الأمور دائما وفقا للخطط الموضوعة. رفض مبارك التخلى عن السلطة وبدا مصمما على أن يظل رئيسا حتى شهر سبتمبر، وهو الموعد المقرر لإجراء الانتخابات. فى ظل العنف المفرط فى ميدان التحرير، أظهرت هذه الخطة مدى ابتعاد الولايات المتحدة عن المتظاهرين، الذين وصلوا إلى مرحلة اشتدت فيها قوة مطالبتهم بنظام جديد كلية، وفى الوقت ذاته، أدركت الولايات المتحدة أنه من المؤكد أن تتضمن مصر الديمقراطية التعامل مع الإخوان المسلمين، وهى أكبر الجماعات المعارضة وأكثرها تنظيما. وكما أشارت "نيويورك تايمز" فى 4 فبراير “إذا سمح للمصريين بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وهو هدف إدارة أوباما.. سيكون عليها التعامل مع احتمال حقيقى بأن تتضمن الحكومة المصرية أعضاءً من الإخوان المسلمين".

تضيف التقارير بأن "هذا الإدراك ضاعف من عمق مشكلة قائمة أمام الولايات المتحدة: الصراع بين القيم الأمريكية من ديمقراطية وحرية وبين المصلحة القومية بضمان الاستقرار فى مصر، الحليف الرئيس ومحور الاستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط. فى ذلك الحين، كانت الولايات المتحدة تحت ضغوط هائلة من حلفائها الرئيسيين فى المنطقة مثل إسرائيل والسعودية والأردن بالتهدئة فى مصر، بسبب خوفهم من أنه إذا أجريت انتخابات سيستحوذ الإخوان المسلمون على السلطة فى البلاد، ما سينهى معاهدة السلام مع إسرائيل المستمرة منذ خمسة وثلاثين عاما، ويؤدى إلى زعزعة استقرار المنطقة.
الجريدة الرسمية