رئيس التحرير
عصام كامل

بقالة حسن البنا وأولاده


يقول الشاعر: "وإن الحق أبيض أبلجُ.. وإن الظن شكٌ لجلجُ" وقد كان الظن عندي "لجلجًا" عندما توهمت أن جماعة الإخوان هي جماعة دينية، حينئذ التحقت بهذه الجماعة راجيًا من الله سبحانه أن يسخرني لهذا الدين وأن يساعد هذه الجماعة على توجيه جهود أفرادها إلى خدمة الإسلام، وحين انخرطت في هذه الجماعة كان ظني "لجلجًا" عندما توهمت أن هذه الجماعة تعرضت منذ أزمان إلى اضطهاد لأنها تحمل راية الإسلام، ودعوت الله سبحانه أن ينتصر لها، وبعد فترة من انخراطي في الجماعة وقع في ظني أنها جماعة أقرب ما تكون إلى الجماعة السياسية ذات الأفكار الدينية، وحين أجريت مراجعاتي وقع في ظني أنها مجرد جماعة متطرفة فهمت الدين فهمًا متعسفًا، واستمرت المراجعات فوقعت في رحى الظن وكأن الظن لا يريد أن يغادرني إذ اعتقدت أنها جماعة سياسية تحمل مفاهيم دينية تكفيرية متطرفة وتريد أن تصل للحكم بأي طريقة.

ثم زاد الظن فقلت إنها جماعة من الخوارج، واستمر الظن يؤرجح أفكاري إلى أن بلغ مبلغًا عظيمًا فقال لي إن تلك الجماعة هي تتار العصر الحديث، إلى أن ظهر الحق الأبلج، وتوارى الظن اللجلج، فقد أدركت أخيرًا ما هي جماعة الإخوان، هي ليست جماعة دينية متطرفة أو تكفيرية، وليست جماعة عسكرية ولا سياسية، وليست كذلك جماعة للخوارج أو جيشا للتتار.

ولكنها "سوبر ماركت ومجموعة محال بقالة" ولكننا فهمناها على غير حقيقتها لأن السياسة والدين والتطرف والتكفير كانوا مجرد بضاعة من بضائع السوبر ماركت وضعوها على الأرفف، فلفتت أنظارنا تلك البضاعة ولم ننتبه للأرفف والسوبر ماركت، ولكن كيف وصلتُ إلى هذا الحق الأبلج وتخلصت من الظن اللجلج؟!

المسألة بسيطة ولا تحتاج إلى إعمال فكر أو التنقيب والبحث في حفريات التاريخ، فعندما تم فض اعتصام رابعة سكت خيرت الشاطر ولم ينطق بكلمة، وعندما تمت إحالة قيادات الإخوان للمحاكمات أصيب خيرت الشاطر بالخرس، وقد التمس له البعض العذر لأنه كان آنذاك في محبسه رغم أنه كان في استطاعته تسريب ما يشاء من تصريحات أثناء زيارة أقاربه له.

وبدأت المحاكمات، وسيق الشاطر مع رفاقه من أهل الإخوان وخاصتهم إلى المحاكمة، وكانت الأحداث تترى في مصر، استفتاء على الدستور وخيرت الشاطر ليس هنا، أحكام بالإعدام على المرشد وعشرات من الإخوان وجناب الكبير خيرت الشاطر ولا كأنه هنا! مفاوضات ومبادرات صلح وهذا يقول وذاك يبادر بالإلحاح، وجمعيات تتشكل، وتحالفات وهمية تنعقد، تسمي نفسها تارة "جبهة الضمير" وتارة أخرى "تحالف دعم الشرعية" والفوهرر أدولف الشاطر صامت صمت القبور، ثماني انتخابات للرئاسة والشاطر شاطر الجماعة يملك أذنًا من طين وأخرى من عجين.

ولكن يحدث شيء رهيب يحرك الساكن، انتظر لا تقع في الظن مثلي، فلم يتم إعدام المرشد أو مرسي، ولم يتم القبض على محمود عزت، ولكن الشيء الرهيب الذي حدث هو أن السلطة القضائية أصدرت قرارها بالتحفظ على محال السوبر ماركت للبقالة "خير زاد" المملوكة للمغوار الإسلامي الفدائي الفقيه المجاهد خيرت الشاطر، هنا انطلق لسانه الساكن الساكت صارخا، ومن داخل القفص في المحكمة ولأول مرة نسمع ذلك الصوت الأجش الجهوري وهو يقول:"من اغتصب حكم البلاد وحكم مصر سهل عليه اغتصاب المحال، وسوف يورينا فيهم ربنا يوما".

وانتهى من صراخه وهو يهتف "يسقط يسقط حكم العسكر" والحمد لله الذي أنطق الشاطر صاحب محال "جماعة الإخوان" للدين والسياسة وقمر الدين والياميش وفوانيس رمضان والجبنة الرومي والزيتون وكل أنواع المخللات.
الجريدة الرسمية