رئيس التحرير
عصام كامل

عشرة أسباب للعنف السياسى فى مصر


هناك أسباب كثيرة وراء تصاعد حالة العنف والفوضى فى مصر، بعد ثورة 25 يناير، منها أسباب سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ودينية وأخلاقية وتعليمية وأسرية، ولا يتسع المجال هنا لتحليل كل هذه الأبعاد، ولهذا سأركز فى هذا المقال على الأسباب السياسية للعنف، ونختصرها فى عشرة أسباب وهى:


1- الانسداد السياسى والعناد السلطوى: تتخذ السلطة السياسية الحالية طريقا لتمكين جماعة الإخوان المسلمين من السلطة بكل السبل، ولهذا فهى لا تستمع لأى نصائح سياسية، أو حلول توافقية تجعلها تحيد عن هذا الهدف، يرافق ذلك إحساس مرعب عند جماعة الإخوان المسلمين وشركائهم أن البديل عن انتصارهم المطلق هو دخولهم السجون وربما تعرضهم للقتل، ولهذا تعاند السلطة مواطنيها والجماعة السياسية المصرية عنادا سلطويا قهريا مرضيا بشكل جعل الأفق السياسى مسدودا أمام التغيير الحقيقى بالوسائل المتعارف عليها فى الديمقراطيات الحديثة.

2- غياب العدالة وشيوع المظالم وسقوط دولة القانون: عندما تشيع المظالم، وتتفاقم وفى نفس الوقت تغيب العدالة، وتعمل السلطة على إسقاط دولة القانون، يتجه المواطنون والجماعات السياسية إلى تحقيق أهدافهم والحصول على حقوقهم بالقوة، وتزدهر ثقافة الثأر، ويحنق المواطن على السلطة، ويحتقرها ومن ثم يتجرأ عليها، لأنها الشريك الأساسى فى المظالم، والجهة المنوط بها تحقيق العدالة وحراستها ودعم استقلالها. فى جامعة هارفارد يعلمون الطلبة أن القانون هو "القيود الحكيمة التى تجعل الرجال أحرارا"، فالقانون هو قيد رضائى لكى يشعر المواطن بالحرية والأمن والمساواة والعدل، وعند غياب هذه القيم وغياب منظومة العدل سواء القوانين العادلة أو السلطة القضائية المستقلة فهذا معناه ضوء أخضر للفوضى والعنف.

3- غياب الأمن وانحياز أجهزته للسلطة: تعمقت الفجوة بين المواطنين وأجهزة الأمن بعد 25 يناير، وبدلا من إعادة هيكلة هذا الجهاز لصالح الوطن والمواطن، اتخذ نظام مرسى نفس طريق نظام مبارك، وهو تدعيم سلطة الأمن، لكى تكون حامية للسلطة على حساب المواطن، واستمرت سياسة الإنفاق الباهظ على أدوات حماية السلطة من غازات مسيلة للدموع، وأدوات فض التظاهر السلمى، بل إننى أعتقد من خلال المشهد السياسى الحالى فى مصر أن غازات فض المظاهرات تضاعف استيرادها عدة مرات فى عهد مرسى، وهذا واضح من الكم الهائل الذى يستخدم فى فض المظاهرات على مستوى الجمهورية، أيضا استمر هذا الجهاز فى التركيز على أمن السلطة والأمن السياسى وتراجع الأمن الجنائى إلى أقصى درجة، باختصار سياسة حبيب العادلى هى المستمرة فى حكم وزارة الداخلية.

4- وجود ميليشيات الإخوان: أقصر طريق إلى الفوضى والعنف والدولة الفاشلة هو وجود ميليشيات مسلحة ومدربة ومستعدة للاشتباك، الدولة هى الجهة المنوط بها احتكار العنف القانونى ومصادر القوة الصلبة، إن عدم المساواة فى القوة بين الدولة والمواطن هو الذى خلق النظام ولكن الوضع فى مصر مختلف، فهناك ميليشيات إخوانية ضالعة فى أمور كثيرة دون تحقيق قضائى واحد، وهناك ميليشيات حليفة للإخوان سواء فى حماس أو حازمون أو جماعات إسلامية أخرى.. هذا وضع المواطن أمام خيارين إما الخضوع الكامل للعنف والطغيان الإخوانى أو مواجهة هذا العنف بعنف آخر حتى ولو لم يكن على مستوى العنف الميليشياوى المنظم، وإذا استمر هذا الوضع سوف تخلق ظروف الصراع ميليشيات أخرى لمواجهة عنف الشرطة المتحالفة مع السلطة أو لمواجهة عنف هذه المليشيات.

5- ثقافة الكراهية والتحريض على العنف: فى أجواء الدولة الدينية التكفيرية تتصاعد بسرعة ثقافة الكراهية والحض على العنف والقتل، وقد خرج كم هائل من الشخصيات الغريبة العجيبة التى تتقيأ كل يوم كراهية وكلاما غثا يدعو إلى العنف والقتل ضد معارضى الإخوان حتى يخيل للمرء أن بلاعة من المجارى انفجرت فى وجه المصريين، ولا يكاد يمر يوم ولا تكون هناك فتاوى أو دعوات لقتل هذا أو ذاك، ويتحصن هؤلاء فى كلام دينى يفسرونه وفقا لمصالحهم السياسية، ووفقا لنفوسهم المريضة البغيضة.. إن الدولة الدينية هى أكثر نماذج الدول ممارسة للعنف والطغيان والسلطوية، وكلما اقتربت مصر من هذا النموذج تصاعدت وتيرة العنف والقتل والكراهية والاقتتال الأهلى.

6- سقوط جدار الخوف: مع موجة الانتفاضات التى عمت الشرق الأوسط فى العامين الماضيين سقط جدار الخوف، وجدار هيبة السلطة والخضوع لنزواتها، ومع طول فترات القمع تشكل لدى المواطن عداء لهذه السلطة، ولمن يمثلها، ومع كل خطوة تتخذ لعودة النظام السلطوى مرة أخرى، تزداد عدائية المواطن للسلطة ويتذكر الأيام الطويلة التى انتهكت فيها السلطة آدميته وأذلته ونكلت به، ولهذا يقاوم هذا الرجوع بكل الطرق، حتى ولو ضحى بنفسه فى معركة غير متكافئة مع القيادة الجديدة التواقة لعودة النظام السلطوى، كما أن الحراك الجماعى، وهو نموذج الاحتجاج الحالى، يجعل المواطنين يتقوون ببعضهم البعض، ويعزز ذلك سقوط الخوف فى مواجهة السلطة، وإذا استمر الحراك المجتمعى الجماعى فإن احتمالات عودة الخوف من السلطة ضعيفة مهما كان الثمن المدفوع، فمع كل عنف للسلطة سيتصاعد عنف المواطن، فالعنف الجماعى مثل الكرة المطاطية يزيد رد فعله مع ازدياد عنف الدولة.

7- الإحباط وضياع الأمل: ارتفعت الآمال إلى عنان السماء بعد الثورة فى الحرية والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية، والازدهار الاقتصادى، وتحسن مستوى المعيشة، وفجأة يحدث العكس تماما تراجع مخيف فى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، غياب للأمن، استمرار انتهاك الكرامة الإنسانية. وقد حمل المواطنون ضياع الأمل على السلطة الحاكمة نتيجة سوء إدارة المرحلة الانتقالية وخطف الدولة إلى اتجاه خطر، وبالطبع مع اتساع " فجوة الأمل" يزداد سخط المواطن وحنقه على السلطة الحاكمة، مما يؤدى إلى زيادة حدة العنف والاحتكاكات.

8- طبيعة المرحلة الانتقالية: من الطبيعى بعد الثورات أن تتسم المراحل الانتقالية ببعض الفوضى وبعض العنف، يعمق من هذا العنف سوء إدارة المرحلة الانتقالية والصراع على السلطة، وفى حالة غياب معايير واضحة وشفافة ونزيهة لانتقال السلطة يأخذ الصراع شكلا عنيفا، ومع التباين الجذرى فى شكل الدولة وهويتها وطبيعتها بعد الثورات يزداد الصراع عنفا نتيجة صعوبة الحلول التوافقية.

9-الخداع والوعود الكاذبة: اتخذت السلطة بعد 25 يناير طريقا ملتويا مليئا بالكذب والخداع والتضليل ونقض العهود، والانقلاب حتى على أسس الشرعية التى أقسموا عليها، ولهذا تآكلت شرعية النظام سريعا، ليس فقط نتيجة الانحراف عن وعوده التى قطعها على نفسه أمام المواطنين، لكن أيضا للسير عكس ما قاله تماما بل واختطاف الثورة إلى اتجاه مغاير لأهدافها، وعندما تسقط شرعية نظام ويكابر أو يعاند أو يعيد هيكلة المؤسسات لصالح تزوير إرادة الناخبين يكون العنف لا محالة طريقا للصراع السياسى، فالتنافس يتحول إلى صراع، والحوار يكون بالرصاص والقنابل.

10- الانقسامات العميقة فى المجتمع: كل هذه العوامل أدت فى النهاية إلى انقسامات عميقة فى المجتمع تتسم بالعداء وليس التنافس، فالتنافس تحول إلى صراع والصراع إلى عداء، والعداء إلى عنف.

الجريدة الرسمية