رئيس التحرير
عصام كامل

نعم.. درسوا اللغة النوبية


نعم، أنا أعني ذلك تمامًا. وأضيف عليه، ليس فقط اللغة النوبية، ولكن أيضًا اللغة الأمازيغية التي يتكلم بها مصريون في الصحراء الغربية. أعرف أن الأمر "يخض". ففي الغالب أنت مثلي وقعت أسير مفهوم قديم وراسخ. وهو أن أحياء الثقافات واللغات المختلفة يعني تفتيت الأوطان. ولذلك في الغالب ستنزعج من مبادرة الفنان أحمد إسماعيل، صاحب مشروع «أمروس»، الذي يحاول إحياء اللغة النوبية. ما زلت أذكر منذ أكثر من عقدين عندما شنت جريدة الشعب حملة ضارية، لأن هناك من تحدث عن خصوصية النوبة. وهو ما فعلته جريدة العربي ( التي يصدرها الحزب الناصري) بعدها بسنوات. وفعلته وتفعله معظم، إن لم يكن كل وسائل الصحافة والإعلام.


فهل هذا صحيح؟
لا أظن. فالدول الديمقراطية التي ترحب بتنمية وحماية الثقافات المختلفة واللغات المختلفة لم تنقسم. خذ على سبيل المثال سويسرا، لديها ثلاث لغات رسمية. كندا يتحدث المواطنون فيها نحو 128 لغة وقادمون من 222 دولة في العالم. الفرنسية والإنجليزية هما اللغتان الرسميتان. أي هناك ولايات تتحدث الفرنسية وأخرى تتحدث الإنجليزية. ولكي تعمل في وظيفة حكومية لابد أن تتقن اللغتين. صحيح أنه في حالة كندا كانت هناك مطالب بانفصال ولاية كيباك، ولكنها انتهت باستفتاء ديمقراطي رفضت الأغلبية الإنفصال.

هناك أمثلة أخرى منها الولايات المتحدة الأمريكية. وهي مثل كندا مجتمع مهاجرين، أي أن مواطنوها قادمون من كل مكان في العالم تقريبًا. لذلك تجد أن نيويورك على سبيل المثال مشهورة بأنها مدينة العالم. أي أنك تجد فيها كل الجنسيات وكل اللغات. 

في الحالة الكندية، دستور هذا البلد يلزم الحكومات والبرلمان بسن التشريعات التي تمكن الأقليات من تنمية ثقافاتها ولغاتها. ولذلك ستجد الدولة تنفق من المال العام على تدريس اللغة العربية لمن يريد من المسلمين وغير المسلمين. وهو ما تفعله مع باقي اللغات.

مع ذلك لم تنقسم هذه البلاد، ولا تشهد حوادث عنف عرقية أو دينية مثلما يحدث في بلادنا. وإذا حدثت فهي أمر عارض. فلماذا لا يحدث عندهم ويحدث عندنا؟

الأمر يستحق التفكير، فهي دول ناجحة ومتقدمة. أظن أن السبب هو أن فكرة الواحدية والوطن الواحد مبنية عندنا على أنه لابد أن يكون كل المواطنين أصحاب لغة واحدة وديانة واحدة وثقافة واحدة، و”ياريت يكونوا كلهم كمان من تيار سياسي واحد”.. إلخ. ولأن هذا مستحيل، فيتم اللجوء إلى وسائل ديكتاتورية لفرض ذلك. منها القمع المباشر، بالقانون وغير القانون. ومنها التهميش والإقصاء، بل والاحتقار. هذه النوعية من الدول يصيبها التفتت والانقسام. مثلما حدث مثلًا في السودان. ومثلما يحدث الآن في العراق.

في حين أن هذا لا يحدث في الدول الديمقراطية التي تؤمن وتحمي تعدد الثقافات والديانات والمعتقدات والأعراق. فليست هناك مشكلة في أن نكون مختلفين وفي ذات الوقت متوحدين. بمعنى أنها وحدة التنوع في إطار دولة يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات بشكل مطلق. ضع من فضلك خطوطًا كثيرة أسفل مطلق.
إذن فالحرية هي التي تحمي الأوطان والاستبداد هو الذي يفتتها ويدمرها.
الجريدة الرسمية