رئيس التحرير
عصام كامل

د. محمود خليل : سلطة ما بعد 30 يونيو تعبد الدستور نهارا وتأكله ليلاً (1 – 2)

فيتو

  • وظيفة التحريض انتعشت في الخطاب الإعلامي مؤخرًا
  • العقليات الحاكمة لفكر الإعلام في مصر ملكية أكثر من الملك
  • الإعلام لن يتمتع بالاستقلالية التي تساعده على تقديم مهامه بنجاح 
  • الإعلام في الأشهر الأولى من حكم السيسي سيعمل في معية السلطة
  • أخشى أن يتحول الإعلام إلى اتحاد اشتراكى كما كنا في الستينيات

أكد الدكتور محمود خليل، أستاذ الصحافة والإعلام بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، أنه لابد أن يتمتع الإعلام بالاستقلالية ويجب تطبيق مواد الدستور الجديد، وأن يتم إنشاء مجلس وطنى للإعلام.
وأضاف، خلال حواره لـ "فيتو"، أنه: من المتوقع أن يقوم السيسي بإلغاء منصب وزير الإعلام، وأن يصدر قرارًا بإنشاء المجلس الوطنى للإعلام.
وإلى نص الحوار..

• كيف ترى شكل الإعلام في مرحلة مابعد الانتخابات الرئاسية وإذا مافاز السيسي بالرئاسة ؟
هناك مؤشرات في التجربة التي عاشتها مصر عبر الأشهر الـ10 الأخيرة على الشكل الذي سوف تبدو عليه الخريطة الإعلامية خلال حكم المشير عبدالفتاح السيسي أو الرئيس المنتظر؛ لأن النتيجة قد تكون محسوبة لصالحه، وهناك اتجاه نحو فكرة التوجيه والإرشاد لدرجة أعلى من فكرة الإعلام وتقديم معلومات مختلفة للجمهور المتلقى والملاحظ خلال الـ 10 شهور الأخيرة، بأن وظيفة التوجيه التي ترتقى لحد التحريض انتعشت وارتقت في الخطاب الإعلامي، وأن السيسي أكد خلال لقائه برؤساء التحرير والإعلاميين على خطورة الكلمة وأهميتها وغير ذلك من تعبيرات نحفظها عن الستينيات، ووجه الإعلاميين إلى لعب دور بارز في توعية الناس، وهى فكرة مطلوبة، وإحدى وظائف الإعلام ولكن التوعية هنا بمعنى خلق نوع من الاستنارة من خلال توفير قاعدة بيانات أساسية للمتلقى حتى يفهم من حوله، وهو ما ينبغى فيه استحضار لفكرة التوجيه.

• هل سيتمتع الإعلام بالاستقلالية في عهد المشير ؟
لا أستطيع أن أزعم أن الإعلام سيتمتع بالاستقلالية التي تساعده على تقديم أداء مهامه بنجاح؛ لأن وسائل الإعلام من المتوقع أن تعمل في الأشهر الأولى من حكم السيسي في معية السلطة وجزء منها، وتجربة 30 يونيو تقول إن هناك تحالفًا تم بين عدد من المؤسسات منها وسائل الإعلام والشرطة والدفاع لخلق زخم شعبى يهدف إلى الإطاحة بمحمد مرسي الرئيس المعزول؛ وبهدف توجيه المصريين ضد الإخوان والمعزول، وما أخشاه أن يتحول الإعلام إلى إعلام اتحاد اشتراكى كما كنا في الستينيات وكان يطلق على وزارة الإعلام " الإرشاد القومى " وما يشبه مصطلح مكتب الإرشاد الخاص بجماعة الإخوان، والإرشاد هو التوجيه وهذا الأمر مرفوض حتى لانخرج من إرشاد من جانب جماعة إلى إرشاد من جانب مؤسسة الرئاسة، وأن الإعلام لا ينمو إلا بمناخ الاستقلالية.

• من هي أبرز الشخصيات التي من الممكن أن تكون في صدارة المشهد الإعلامي في عهد السيسي ؟
التجربة التاريخية تقول إن "أي شخص يصل إلى السلطة يمنح الذين دفعوا به نحو منصتها القليل، وقد يعطى غيرهم الكثير وكل الوجوه التي دافعت عن وصول السيسي للحكم في المجال الإعلامي يمكن أن تلقى جزاء سنمار، فلا تنال في النهاية شيئا، وخصوصا إذا كان المشير السيسي يتمتع بوعى يستطيع أن يفرق بين من ينافقه ويجيد التطبيل والتهليل من ناحية، وبين من يستطيع أن يخدمه في إطار أهدافه وقد يكون من بينها التطبيل والتهليل، ولكن قد لايحبه السيسي بطريق معينة، أضف إلى ذلك أن الكثير من الوجوه الإعلامية الحالية هي سقط لفترة حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ولو السيسي ابتلعها لا أمان عليه، والسبب أن هؤلاء الإعلاميين كانوا سببًا أساسيا أو مظهرا من مظاهر الفساد خلال الحقبة المباركية وعندما انتفض الشعب ضد مبارك رغم أن هؤلاء الإعلاميين اجتهدوا في حماية نظامه في الأسبوع الأول بعد ثورة يناير، ومنهم وجوه بارزة بكت بعد خطابه الشهير ومع ذلك لم تفلح في حمايته.

• الدستور الجديد أكد على ضرورة إنشاء مجلس وطنى للإعلام، ما تصورك لشكل المجلس إذا مافاز السيسي ؟
في تقديرى الشخصى، أن تجربة الـ10 شهور الأخيرة تعطينا مؤشرات عن الكيفية التي سيتم التعامل بها مع المجلس الوطنى للإعلام كبديل لوزارة الإعلام، والتجربة تقول إن سلطة ما بعد 30 يونيو تنظر إلى "الدستور" مثل "إله" بعجوة، تعبده نهارا وتأكله ليلًا، بمعنى أن الكثير من مواد الدستور الجديد لم تفعل في الواقع الذي نعيشه، ومن بينها المادة التي تصادر على فكرة وجود وزير للإعلام وتنص على إنشاء مجلس وطنى وفوجئنا في حكومتى الدكتور حازم الببلاوى والمهندس إبراهيم محلب، بوجود وزيرة إعلام وهى وظيفتها غير دستورية وهى وزيرة غير معترف بها؛ لأن وجودها ينسف مادة من مواد الدستور والمتوقع أن يبادر السيسي إلى إلغاء وزارة الإعلام وإنشاء مجلس وطنى للإعلام، ولكن لا أضمن له استقلالية لأن القانون لابد أن ينظم الكيفية التي تشكل على أساسها هيئة المجلس ويحدد المعايير التي سوف يتم على أساسها الاختيار، إلى جانب تحديد ميزانية هذا المجلس، وكل دول العالم المحترمة تقر باستقلال المجالس الإعلامية، ولابد أن يمثل فيها كل أطراف صناع الإعلام، من ملاك وإعلاميين والرأى العام، وأن يكون مسئولا عن صياغة التوجيهات العامة وفى الخارج أيضا تختار الأعضاء لهذه المجالس من خلال البرلمان، والمفترض أن المجلس الوطنى للإعلام يتم اختيار أعضائه من خلال مجلس النواب القادم لأنه هو الذي يحدد.

• كيف ترى وضع كل من ماسبيرو والإنتاج الإعلامي بعد نجاح السيسي ؟
المشير السيسي تحدث مع الإعلاميين عن بعض المشكلات التي تواجه مبنى ماسبيرو، وتحدث عن العمالة الزائدة عن الحد وهى 43 ألفًا من الموظفين، وقال إنه يريد أن يعيد توظيفهم والكثير غير ذلك، ولكن هذا كلام طيب وصحيح، ولكن عين السيسي كانت على الأجور التي تصرف عليهم وليس على تدريبهم وإعادة تأهيلهم من جديد، ونحن لدينا رصيد إعلام يمكن أن يشكل منصة استثمارية بشكل جيد وفى عهد مبارك كان التراث التليفزيونى المصرى قد تم بيعه "بالليل" في أسواق " النخاسة العربية " وأشهر المسلسلات والأفلام والأغانى والتلاوات القرآنية، وتم إفلاس التليفزيون من أهم ما يمتلكه، وهو المنتج الإعلامي الأصيل والحقيقى، وهذا المنتج تكسب من خلاله القنوات العربية الكثير والكثير عن طريق الإعلانات والرسائل، تغير الوضع في ماسبيرو متعلقًا بالرئيس القادم، وإذا منح السيسي المجلس الوطنى للإعلام استقلالية في إدارة ماسبيرو يخيل لى أن يقود هذا المبنى إلى قفزة غير مسبوقة في الإعلام المصرى ولم يحصل ماسبيرو على استقلالية خلال السنوات الثلاثة الماضية وكان يخرج من حوزة مالك إلى مالك آخر، ومن "بلطجى سلطة" إلى "بلطجى سلطة جديد"، وفى كل الأحوال - للأسف - العقليات التي تحكم فكر الإعلام في مصر هي أن تكون ملكيًا أكثر من الملك، وأنت تدرى مايريد الملك حتى لو لم يوجهك، أما الإنتاج الإعلامي، فتعثر خلال السنوات الثلاثة الماضية، وكان ينظر إليه على أنه أداة من أدوات الدفع لفكرة الإنتاج الإعلامي حتى يستطيع المنتج الإعلامي أن يسيطر على الأسواق العربية في النهاية، والمنتج الإعلامي المصرى جدير بذلك، وللأسف الشديد أي مؤسسة لا تنجح إلا بفكر واع بالدور، ثم إرادة لتفعيل هذا الدور، أما عن وضعها في عهد السيسي، فأرى من واقع خبرتى أنه من الممكن أن ينمو لعدة أسباب؛ منها أن الدول التي غزت الشاشات العربية الحالية في حالة خصومة مع النظام السياسي الذي يقوده السيسي، ومنها مثلا المسلسلات التركية، وسنتوقف عن عرضها والمنافس الأهم في الإنتاج العربى هو الإنتاج السورى، وهو متوقف الآن عن الإنتاج بالنسبة للدراما والمفترض أن يخلق ذلك ساحة منافسة مع تركيا ورغبة في ملء الفراغ الحادث نتيجة تراجع الإنتاج السورى، فسيتم إنتاج دراما بشكل أفضل، أما على مستوى الأخبار فأعتقد أن أي قناة إخبارية لا تستطيع أن تنجح إلا إذا تحقق شرط الاستقلال ولدينا الإمكانيات، وداخل ماسبيرو هناك الإمكانيات والكفاءات وكل ما ينقصنا أن نمنح مساحة من الاستقلالية وأن نفك عرى الارتباط ما بين السلطة ومابين المنتج الإعلامي، والمنتج الإخبارى ينتعش في حالة الحرية، وأن نغطى كافة الأحداث، ولكن في ظل سيطرة الدولة على المنتج الإعلامي الخاص، والعام لا يمنحنا مؤشرا للتفاؤل في عهد السيسي؛ لأننا إذا تصفحنا أي صحيفة إخبارية أو استعرضت أي نشرة إخبارية أو برنامج توك شو، تجد أن هناك موضوعات كثيرة ذات مصادر أمنية وعسكرية، هذه الأخبار تحمل رسالة السلطة إلى الناس، وأصبح الإعلام للأمن ونافذة للمؤسسة العسكرية وهذا ما جعلنا نفتقد المهنية.
الحلقة الثانية والأخيرة من الحوار.. غدًا

الجريدة الرسمية