بعد نصف قرن من استخدامه اكتشفوا كارثة، أدلة علمية تكشف خطورة مسكن شائع للألم
فجرت دراسة تحليلية حديثة مفاجأة من العيار الثقيل، بشأن عقار شهير في العالم بعد ما يقارب نصف قرن من الاستخدام الواسع.
وكشفت الدراسة أن عقار الترامادول، الذي طالما اعتبره الأطباء خيارًا "أكثر أمانًا" بين المسكنات الأفيونية، قد يحمل مخاطر على القلب والأوعية الدموية تفوق بكثير فوائده المحدودة في تخفيف الألم.
وقام فريق بحثي من الدنمارك بفحص شمولي لنتائج تسع عشرة تجربة سريرية سابقة، شارك فيها أكثر من 6500 مريض عولجوا إما بالترامادول أو بدواء وهمي.
وكشفت النتائج عن مفارقة خطيرة: فبينما كان تأثير الدواء في تخفيف الألم المزمن ضعيفا إلى حد يجعله غير ذي أهمية سريرية في كثير من الحالات، تضاعفت احتمالات تعرض المرضى لأحداث صحية خطيرة بين متناوليه أكثر من الضعف مقارنة بمن تلقوا العلاج الوهمي.
ولم تكن هذه الزيادة الهائلة في المخاطر عشوائية، بل تركزت بشكل لافت في مجالين حيويين: اضطرابات القلب والأوعية الدموية من جهة، وظهور الأورام من جهة أخرى. حيث أظهر التحليل أن مرضى الترامادول واجهوا احتمالات أعلى للإصابة بآلام الصدر، أمراض الشرايين التاجية، فشل القلب الاحتقاني، وحتى النوبات القلبية، بالإضافة إلى معاناتهم من الآثار الجانبية المعتادة كالغثيان والدوار والإمساك.
وتكمن خطورة هذه النتائج في سياقين متقاطعين. أولا، يستهدف هذا الدواء غالبا فئة عمرية متقدمة - بمتوسط 58 عاما في الدراسات - وهي الفئة الأكثر عرضة أساسا لمشاكل القلب التي قد يثيرها الدواء أو يفاقمها. ثانيا، وبسبب السمعة التي اكتسبها على مدى عقود بأنه "أقل إدمانا" من نظائره الأفيونية القوية، يحافظ الترامادول على مكانته كواحد من أكثر المسكنات الأفيونية انتشارا في العالم، حيث تجاوزت الوصفات الطبية له في الولايات المتحدة وحدها ستة عشر مليون وصفة العام الماضي.
وفي ضوء هذه الأدلة الجديدة، يخلص الباحثون إلى استنتاج يحمل وزنا أخلاقيا ومهنيا كبيرا: "الأضرار المحتملة المرتبطة باستخدام الترامادول لإدارة الألم تفوق على الأرجح فوائده المحدودة". وبناء عليه، يوجهون نداء عاجلا إلى المجتمع الطبي لإعادة تقييم جذري لدور هذا الدواء، والتحول نحو بدائل علاجية أكثر أمانا، بدءا من المسكنات غير الأفيونية وصولا إلى العلاجات غير الدوائية كالعلاج الطبيعي المتخصص والتدخلات السلوكية.
ولا تعني هذه النتائج أن على المرضى التوقف المفاجئ عن أدويتهم، وهو إجراء قد يكون خطيرا في حد ذاته، بل تؤكد على ضرورة حوار صريح ومستنير بين المريض وطبيبه. ففي عصر تتزايد فيه أدلة تعقيدات العلاج الأفيوني، تذكرنا هذه الدراسة بأن حتى أكثر الأدوية رسوخا في الممارسة الطبية تحتاج إلى فحص مستمر تحت مجهر العلم المتطور، حماية لصحة المرضى وسلامتهم فوق كل اعتبار.